البرلمان العراقي يقرر إلغاء التواجد العسكري الأجنبي
ربما حققت حكومة الكاظمي أول إنجاز لها لكن على الصعيد الخارجي بعد جولة المباحثات التي دامت ساعتين بين الوفدين الأمريكي والعراقي عبر دائرة تلفزيونية مغلقة في 10 حزيران 2020.
هذا المقال يتناول العلاقات العراقية الأمريكية في العامين الماضيين وصولاً إلى قراءة في البيان الختامي للمباحثات العراقية الأمريكية حيث يتم تسليط الضوء على مسار العلاقة وأبرز نقاط التوتر والخلاف التي سادتها.
إلغاء التواجد الأجنبي في العراق
بعد الحادث الارهابي الذي قامت به أمريكا على سيارة مدنية في مطار مدني ، تصاعدت الدعوات لطرد القوات الأمريكية من العراق. أدت الحملات الاعلامية إلى تعبئة الشارع الشيعي الذي شعر بالخيبة من التصرف الأمريكي الأهوج، واغتيال اثنين من قادته الذين قارعوا داعش وألحقوا بها هزيمة منكرة.
في جلسة مجلس النواب يوم الأحد 5 كانون الثاني 2020 قام النواب بالتصويت على قرار يتضمن إلغاء طلب المساعدة الدولية السابقة عام 2014 لمواجهة داعش. إذ شاركت أكثر من ستين دولة في إرسال قوات وأسلحة وأعتدة وطائرات مقاتلة ومراكز مراقبة وغيرها.
صوّت على القرار (174) نائباً ، اثنان منهم فقط من السنة ، والباقي من الشيعة ، بغياب الكتل الكردية والسنية، التي رفضت خروج القوات الأمريكية من العراق.
تضمن القرار ما يأتي :
(حرصا على سلامة العراق وسيادته على أراضيه وشعبه ووفقا للصلاحيات أصدر القرار الآتي:
إلزام الحكومة العراقية بحفظ سيادة العراق من خلال:
أولاً: إلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش وذلك لانتهاء العمليات العسكرية وتحقيق النصر والتحرير.
ثانياً: على الحكومة العراقية الالتزام بإنهاء تواجد أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأي سبب كان.
ثالثاً: تلتزم الحكومة العراقية بحصر السلاح بيد الدولة
رابعاً: على الحكومة ممثلةً بوزير الخارجية التوجه بنحو عاجل إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتقديم الشكوى ضد الولايات المتحدة؛ بسبب ارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق.
خامساً: قيام الحكومة العراقية بإجراء التحقيقات بأعلى المستويات لمعرفة ملابسات القصف الأميركي وإعلام مجلس النواب بالنتائج خلال 7 أيام من تاريخ هذا القرار.
سادساً: يُنفذ هذا القرار من تاريخ التصويت عليه).
جدل حول التواجد الأمريكي
قبل انعقاد الجلسة بقليل ، أي في 5 كانون الثاني 2020، أرسل رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي رسالة إلى رئيس مجلس النواب تضمنت الاشارة إلى أن وجود القوات الأمريكية في العراق وبالتالي قوات التحالف يعود إلى رسالتين من الخارجية العراقية إلى مجلس الأمن الدولي، الأولى من هوشيار زيباري في 25 حزيران 2014 ، والثانية من ابراهيم الجعفري في 20 أيلول 2014. حددت الرسالتان مهام القوات الأجنبية ، بمحاربة داعش، وبتدريب القوات العراقية وتقديم المساعدات التقنية وتجفيف منابع الارهاب داخل وخارج الارهاب. ولم تحدد أية مهام أخرى، ولا أساس قانوني آخر بعد أن اتفق العراق والولايات المتحدة على جدولة انسحاب القوات الذي انتهى في كانون الأول 2011.
وأضاف عبد المهدي : بعد الغاء الاتفاق النووي من الطرف الأمريكي عام 2018 ، ازداد تشدد واشنطن مع إيران، وبدأت تطرح معنا ومع غيرنا سياسة (إما معي أو ضدي) ولا أمر آخر بينهما. ويقيناً هذا موقف يصعب على العراق تبنيه، وشرحنا موقفنا مراراً إلأى المسؤولين الأمريكان وبكل صراح ، فلم يؤد ذلك إلا إلى ازدياد الشكوك . وأصبحت نظرة أمريكا للعراق جزءاً من سياستها تجاه إيران.
ردود الأفعال الأمريكية والعراقية حول القرار
بعد التصويت على القرار بدأت ردود الأفعال الدولية تنطلق من هذه العاصمة وتلك، وأولها واشنطن. إذ أخذ دونالد ترامب ينشر تغريداته تتضمن تهديدات للشعب العراقي بالعقوبات الخطيرة. فقد قال :
-ترامب يهدد بعقوبات ضد بغداد ويقول إن بلاده لن ترحل عن العراق حتى يدفع ثمن القاعدة الأمريكية هناك.
- لدينا قاعدة جوية في العراق باهظة التكلفة احتاجت مليارات الدولارات لبنائها لن نغادرها إلا إذا دفعوا لنا تكلفتها.
-ترمب: إذا طالب العراق برحيل القوات الأمريكية ولم يتم ذلك بشكل ودي سنفرض عليه عقوبات لم يرى مثلها من قبل.
-ترمب تعليقا على قرار البرلمان العراقي: سنفرض عليهم عقوبات ستكون العقوبات على إيران بجوارها شيئا صغيرا.
أما الخارجية الأمريكية فقد (أعربت عن خيبة أملها بشأن تصويت البرلمان العراقي على اخراج القوات الاجنبية). واضاف بيان صادر عنها في 5 كانون الثاني 2020 ، أن) واشنطن تحث القادة العراقيين أن يأخذوا بعين الاعتبار أهمية العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين"، لافتة الى "اننا نعتقد ان مواصلة قتال داعش مصلحة مشتركة لواشنطن والعراق).
وحاولت الخارجية الأمريكية أن تقلل من قرار البرلمان، حيث صرح وزير الخارجية الامريكي بومبيو رداً على تصويت مجلس النواب بما يلي:
-الحكومة العراقية تعرضت لضغوطات كبيرة من الايرانيين بشأن هذا القرار .
- لا يمكن تطبيق هذا القرار على ارض الواقع لان معظم العراقيين يرفضون تواجد الميليشيات في شوارعهم .
- الحكومة التي صوتت هي فاقدة للشرعية و عادل عبدالمهدي مستقيل لذا لا يمكن الاخذ بقرارتهم .
-نحن مستمرون في العراق و لا نهتم لهكذا قرارات مرفوضة من قبل الشعب العراقي الحقيقي و نحنُ نقاتل في سبيل تحقيق مطالب متظاهرين العراق .
- مستمرون في مكافحة الارهاب و اجواء العراق هي تحت سلطة القوات الجوية الامريكية.
الخارجية العراقية تستدعي السفير الأمريكي
بعد يومين من الاعتداء الارهابي في مطار بغداد قامت الخارجية العراقية باستدعاء السفير الأمريكي في بغداد ماثيو تولر. خلال اللقاء أكد الوكيل الأقدم لوزير الخارجية عبد الكريم هاشم مصطفى (على إدانة العراق لهذا العمل الذي يُمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق ولجميع الأعراف والقوانين الدوليّة التي تنظم العلاقات بين الدول، ومنع استخدام أراضيها في تنفيذ اعتداءات على دول الجوار، كما شدّد السيّد الوكيل على أنّ ما حدث من اعتداءات يُخالِف ما تمّ الاتفاق عليه من مهامّ للتحالف الدولي الذي ينحصر بمُحاربة تنظيم داعش الإرهابي وتدريب القوات الأمنيّة العراقيّة، بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وإشرافها.
-وتعتبر وزارة الخارجيّة هذه العمليّات العسكرية غير المشروعة التي نفذتها الولايات المتحدة إعتداءً وعملاً مُداناً يتسبّب في تصعيد التوتر بالمنطقة في الوقت الذي ينبغي أن تتعاون الإدارة الأمريكية مع العراق في خفض التوتر الأمنيّ، وحلحلة الأزمات التي تُعاني منها المنطقة).
العراق يرفع شكوى لمجلس الأمن الدولي
قدم السفير العراقي في الأمم المتحدة محمد حسين بحر العلوم شكوى رسمية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن. أقر السفير بحادث قصف قاعدة ك 1 في كركوك، ثم تناول قيام (الولايات المتحدة بصورة منفردة بقصف مقرات مشتركة للجيش العراقي والحشد الشعبي قرب الحدود العراقية السورية ، ودون التشاور مع الحكومة العراقية أو فسح المجال والوقت المناسبين لاستكمال التحقيقات في ملابسات الحادث). كما تناول السفير (التظاهرات التي وقعت أمام السفارة الأمريكية في بغداد، تضمنت بعض المحاولات للاعتداء على السور الخارجي لمبنى السفارة. وأن الحكومة العراقية قد أنهت بصورة سلمية الاعتصام وعززت الحماية حول السفارة).
وجاء في المذكرة بأن الحكومة العراقية (تفاجأت بالعمل العسكري الذي قامت به قوات الولايات المتحدة في تمام الساعة 1,45 بعد منتصف الليل بتاريخ 3 كانون الثاني 2020 بقصف سيارتين في محيط مطار بغداد الدولي (مطار مدني) كانت تقل مواطنين عراقيين وضيوفاً لهم. مما أدى الى اغتيال قائد عسكري عراقي يشغل منصباً رسمياً هو نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد جمال جعفر محمد (أبو مهدي المهندس) مع ثلة من الشهداء من القيادات العراقية والصديقة. وهو ما يُعَد عدواناً على العراق دولة وحكومة وشعباً ، وخرقاً فاضحاً لشروط تواجد القوات الأمريكية في العراق، وتصعيداً خطيراً يشعل فتيل حرب مدمرة في العراق والمنطقة والعالم. كما يعرّض الأمن المجتمعي في العراق لخطر كبير).
وبعد أن أدانت الحكومة العراقية لتلك الهجمات والاعتداءات الأمريكية التي تنتهك سيادة العراق وأحكام القانون الدولي، طالبت بأن لا تكون أراضي العراق ساحة لاستهداف دول الجوار، وأن أي تحركات أو عمليات عسكرية في الأراضي العراقية دون موافقة الحكومة العراقية يُعد تصرفاً وعملاً استفزازياً وعدائياً ينتهك ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي).
وفي الختام دعت الحكومة العراقية مجلس الأمن (إلى إدانة عمليات القصف والاغتيال التي تعد (إعداماً خارج نطاق القضاء) وتتعارض مع التزامات الولايات المتحدة في مجال حقوق الانسان، وأن ذلك يجب أن لا يكون وسيلة للتهرب من المسؤولية الدولية).
لغز رسالة التحالف الدولي
في السادس من كانون الثاني 2020 وصلت قيادة العمليات المشتركة رسالة من قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بتوقيع العميد وليام سيلي الثالث. تتضمن الرسالة (إحتراماً لسيادة جمهورية العراق ، وحسب ما طلب من قبل البرلمان العراقي ورئيس الوزراء، ستقوم قوة المهام المشتركة -عملية العزم الصلب بإعادة تمركز القوات خلال الأيام والأسابيع القادمة).
( ومن أجل تنفيذ هذه المهمة ، يتوجب على قوات التحالف اتخاذ إجراءات معينة لضمان الخروج من العراق بشكل آمن وكفوء).
( وستقوم قوات التحالف باتخاذ كافة الاجراءات للتقليل من وتخفيف الازعاج للعام. ولهذا السبب ستتم تنفيذ المهمات خلال ساعات الليل والذي سوف يساعد على زيادة الحيطة، ولن يفهم الانسحاب على أنه يتم جلب المزيد من القوات).
(حيث نبدأ بتنفيذ المرحلة القادمة من العمليات، أؤكد على قيمة شراكتنا، ودعوتكم لنا لدعم جمهوريتكم في وقت الحاجة خلال هزيمة تنظيم داعش، فإننا نحترم القرار السيادي الذي طالب برحيلنا).
بعد نشر الرسالة في وسائل الاعلام جاءت ردود الأفعال من الادارة الأمريكية التي وصفتها تارة بأنه مجرد مسودة غير موقعة ، وتارة بأنها ذهبت بالخطأ إلى القيادة العسكرية العراقية. فيما أعلن وزير الدفاع الأمريكي بأن القوات الأمريكية لن تنسحب من العراق. من جانبه أبدى رئيس الوزراء عبد المهدي من وصول الرسالة ثم النفي الأمريكي لها وتساءل: في العراق عادة لدينا سياق الاستفسار عن صحة صدور الكتاب الرسمي، ولكن لا يوجد هكذا سياق مع الدول الأخرى ولا مع المنظمات الدولية، فكيف نعرف أن الرسالة صحيحة وأن قوات التحالف تقصد ما ورد فيها فعلاً؟ أم أنها صحيحة وتراجعوا عنها؟