من كربلاء الخبر - بغداد
زيادة أعداد السكان في ظل تحديات اقتصادية قد يشكل عائقاً أمام تحقيق نمو متسارع يمثل بالنتيجة عبئاً يضاف الى كاهل الاقتصاد الوطني، ويقلل من فرص العمل، ويزيد صعوبة الحصول عليها، خبراء الاقتصاد ذهبوا الى أن الحل يكمن في رسم سياسة تنموية تضمن تشغيل الأيدي العاملة لسدّ احتياجات التنمية بما يتلاءم مع الموارد والقدرات المتوفرة.
وقال خبير الاقتصاد والمحاسبة الضريبية هيثم العنبكي لوكالة من كربلاءالخبر: إن "من أهم السياسات التي اتّبعتها حكومة محمد شياع السوداني في مواجهة ظاهرة البطالة هي التوسع في التعاون الاستثماري مع العديد من الدول المتقدمة في أوروبا وآسيا وأمريكا، مع حضور ومشاركة واضحة للقطاع الخاص".
وأضاف العنبكي أن "الهدف من ذلك التعاون توفير أرضية مناسبة لسوق عمل رائجة مهمتها استيعاب العاطلين، من خلال فرض شروط على الشركات الأجنبية العاملة في العراق لتوظيف العمالة المحلية".
وتابع العنبكي أن "الدعم الحكومي لتنشيط سوق العمل وتقليص حجم البطالة أخذ أشكالاً متعددة، من بينها قيام البنك المركزي بمنح قروض لإقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة تكون نقطة انطلاق لانعاش القطاع الخاص وتأهيله، من أجل أن يكون قادراً على المنافسة في السوق العراقية".
ومن أهم المبادرات التي أطلقها البنك المركزي، تلك التي قدمت قروضاً بنحو 13 ترليون دينار، ونجحت بتحريك مفاصل الاقتصاد العراقي، تأتي بعدها مبادرات المصارف الحكومية التي فتحت الإقراض بكل أشكاله، ويمثل خطوة مهمة تدعم عمل أصحاب المهن والحرف والصناعات المتوسطة، كما أن البرنامج الحكومي للحكومة الحالية يتضمن أيضاً خططاً لدعم القطاع الصناعي الذي من شأنه أن يستقطب بشكل منظم قوة العمل.
جذور مشكلة البطالة
وربط المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح في معرض حديثه لوكالة من كربلاءالخبر: "جذور مشكلة البطالة في العراق بدرجة كبيرة بموضوع التحرر التجاري الذي شهدته البلاد بعد العام 2003، حيث حركة الاستيراد الكبيرة وسياسة الإغراق السلعي التي كانت رد فعل على الحصار الاقتصادي الذي عاناه العراق في تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، والتي كانت سبباً في القضاء على كثير من المهن الصغيرة والمتوسطة، بالرغم من أن التطور التكنولوجي الحاصل قد رفد السوق بمهن جديدة غير التي كانت سائدة سابقاً، مثل المهن الرقمية، إلا أنها لم تستقطب أعداداً مماثلة لتلك التي استقطبتها المهن الصغيرة والمتوسطة".
وأردف صالح قائلاً: إن "مؤشرات المركز الوطني للاحصاء تشير الى أن البطالة تقلصت من نسبة 23% لاسيما بين الشباب الى نسبة 16% ، وهي في طريقها اليوم الى أن تنخفض لنحو 14%، وهذا الأمر يصب في زيادة الناتج المحلي غير النفطي الذي يقدره البنك الدولي بنحو 6% "، مضيفاً أن"النسبة التي تحاول الحكومة بلوغها بشكل تدريجي على مدار السنوات المقبلة لا تتجاوز 4%، وتمثل هذه النسبة معدلاً اعتيادياً على مقياس البطالة في جميع أنحاء العالم، جراء نقص التدريب أو انعدام المؤهلات والمهارات الشخصية للأفراد".
ويوضح أن "البطالة في العراق خلال خمسينيات القرن الماضي كانت تقدر بنحو 7%، وكانت حينها يجري امتصاصها من قبل الوسط المهني، ونقصد بذلك القوى العاملة التي تشتغل برؤوس أموالها في المهن البسيطة، وكانت تستقطب نسبة 60% من قوة العمل، في حين أن المصانع الكبيرة لا يمكن لها أن تستقطب أعداداً مماثلة، وتقتصر على أصحاب الكفاءات المهنية، وهذا الأمر مشخص عالمياً وليس على صعيد العراق فقط، فالنسب العالمية تشير الى أن 60% من نسب البطالة بين شرائح المجتمع تستقطبها الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ونسبة 40% المتبقية تستقطبها الوظائف ذات التخصص المهني العالي".
المعالجات
وأشار صالح الى أن "هذه المظاهر لن تعالجها إلا السياسات الحكومية التي تعتمد على التمويل، فالبنك المركزي دخل ميدان التمويل في قطاع الإسكان، وهذا الامر من شأنه أن يحرك سوق العمل ويستقطب نحو 20% من قوة العمل في البلاد، فمثلا مشاريع البنى التحتية أسهمت في ايجاد طلب على القوى العاملة من اصحاب المهن المتخصصة بهذا المجال".
وتابع أن "الحكومة بدأت تعطي ضمانات سيادية لأي دولة يستورد منها التاجر العراقي خطوطاً إنتاجية حديثة لتشغيل معامل متخصصة، كما أن الحكومة تعمل على إزالة جميع القيود التي تعرقل عمل القطاع الصناعي والسعي لانشاء مدن صناعية، وحدد تصنيف حكومي خمسة أنواع من الصناعات، وصناعات ترتبط بإنتاج مواد البنية التحتية التي تتعلق بطريق التنمية والصناعات الدوائية والصناعات البتروكيمياوية وصناعة المشتقات النفطية، فضلاً عن الصناعات المرتبطة بالقطاع الزراعي".
قروض المشاريع
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قد تكون أكثر جهة معنية من غيرها بالتعامل مع الشرائح الأكثر فقراً في المجتمع، وتوفير فرص العمل المناسبة لها، وقال رئيس هيئة الحماية الاجتماعية في الوزارة أحمد خلف الموسوي لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الإجراءات الحكومية التي حدثت مع تشكيل الحكومة الجديدة كانت مختلفة عن الحكومات السابقة على اعتبار أنه لأول مرة الحكومة تجري نتائج المسح الاقتصادي الاجتماعي في العراق، وتجريه وفق نسب حقيقية خاصة ببيانات خط الفقر".
وأضاف أنه "سابقاً كانت تعمل الحكومات من خلال وزارة التخطيط على نسب افتراضية للإجراءات ولم تركز على مسوحات كبيرة، ولأول مرة هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة التخطيط اعتمدت النموذج الخاص بإجراءات خط الفقر من سنة 2022، ومع تشكيل الحكومة وتوجيه دولة رئيس الوزراء بدأت في عمليات المسح الديمغرافي للأسر الفقيرة في العراق من المناطق الأشد فقراً وبدأت بـ 17 قضاء، ثم اتجهت إلى الأقضية الأخرى التي حددتها وزارة التخطيط".
وأكمل أنه "خلال المسحين في العراق في 2022 ظهرت نتائج أول الإجراءات وأول الحصيلة هي انخفاض خط الفقر في العراق من 23 إلى 16.6، وكذلك انخفضت نسبة البطالة من 16.5 إلى 14 خلال نفس الفترة مع تشكيل الحكومة الجديدة".
ونوه الى أن "البيان الرسمي لوزارة التخطيط الذي حدد نسب الفقر والبطالة في العراق عزى الجزء الأكبر لأسباب انخفاض الفقر لهيئة الحماية الاجتماعية لعدة أسباب، منها إجراءات المسح الديمغرافي وفق الأساليب الجديدة التي اعتمدت على نتائج خط الفقر وبداية المسح من المناطق الأشد فقراً وهي الريفية وأطراف المحافظات، حيث بدأت بـ17 قضاء، ثم تصاعد إلى أكثر من 70 قضاء، ثم إكمال جميع الأقضية في العراق".
إجراءات حكومية
وبين أن "الإجراءات التي حدثت في هيئة الحماية الاجتماعية اتجهت إلى أكثر من مجال، الأول هو دفع الإعانة النقدية المباشرة، والثاني هو دفع الإجراءات الخاصة بالمنح الطلابية التي ابتدأت من الأطفال في المدرسة التي كان يتقاضى الطفل 30,000 دينار في الابتدائية و 50,000 دينار طالب الإعدادية والمتوسطة، وكذلك في الجامعات البكالوريوس 100,000 دينار والماجستير والدكتوراه 150,000 دينار، وكذلك ركزت الحكومة بشكل أساسي على الملف الغذائي والى الآن وزعت هيئة الحماية الاجتماعية ما يقارب 150,000,000 سلة غذائية تعتبرها وزارة التخطيط كدور أساسي في انخفاض معدلات الفقر في العراق".
ولفت الى أن "عدد المشمولين بالضمان الصحي ارتفع إلى أكثر من 460,000، وكذلك الإجراءات الأخرى التي أدخلتها وزارة الصحة بمجال الضمان الصحي، وهذه المتغيرات جميعها أسهمت في انخفاض معدلات الفقر والبطالة".
وأوضح أن "رئيس الوزراء أكد على رفع معدلات التمويل لصندوق الإقراض في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى تريليون ومئتين حسب المادة القانونية الخاصة بالموازنة الثلاثية، بواقع 400 مليار لكل سنة والتي عملت بدورها على خفض معدلات الفقر من خلال المشاريع التي تسمى (المايكرو) الصغيرة المدرة للدخل، وبالتالي الإجراءات أخرجت المشمولين بإعانة الحماية الاجتماعية إلى سوق العمل".
واستطرد بالقول: "البيانات تشير إلى أنه خلال الـ6 أشهر الماضية ضمن خطة الحكومة تم إخراج أكثر من 40,000 مشمول بالحماية الاجتماعية الى سوق العمل موزعين كالآتي: 8500 شخص تم إخراجهم من خلال مجلس الخدمة الاتحادي الى الوزارات المختلفة، كذلك سن قانون التقاعد والضمان الاجتماعي الذي يعد ركيزة أساسية في انخفاض خط الفقر وإخراج الآلاف المشمولين بالحماية الاجتماعية إلى دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي، وكذلك 37,000 مشمول بالحماية الاجتماعية إلى وزارة الداخلية وزجهم بسوق العمل بما يخص بيانات الهيئة الحماية الاجتماعية تعطي البيانات إلى 7,600,000 فرد ما حدث في هيئة الحماية الاجتماعية".
وأكد أن " الإجراءات في الوزارة ركزت بشكل أساسي على شمول الفئات الأكثر هشاشة، ومنح من هم في سن العمل وإخراجهم من شبكة الحماية الاجتماعية إلى سوق العمل، وبالتالي وزارة التخطيط تعتبرها مؤشرات حقيقية وأرقاماً عملت عليها الحكومة خلال هذه السنتين لخفض معدلات الفقر في العراق".
وأشار الى أن "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بشقيها، سواء دائرة العمل، وكذلك إدارة التقاعد والضمان الاجتماعي في وزارة التخطيط تشير إلى أن هذه دائرتين مهمتين جداً على اعتبار أن هنالك تريليون ومئتي مليار خصصت الى القروض الميسرة وقانون التقاعد الاجتماعي الخاص بالعمال، والى الآن هناك أكثر من 300,000 مشمول بهذه الإجراءات وتعد معدلات جيدة لانخفاض خط الفقر خلال السنتين الماضيتين".
وتابع أنه "حسب التقرير الأخير الذي أظهرته وزارة التخطيط تشير البيانات الى أن الإجراءات التي حدثت في هيئة الحماية الاجتماعية كان لها أثر أكبر بخفض معدلات البطالة، وهنالك خطة حكومية متكاملة لاستحداث صندوق للقروض يرتبط بالبنك المركزي ولكنه يحتاج إلى المزيد من التعديلات ليسهل عملية منح القروض".
واختتم قوله بأن "الإحصاء السكاني الذي حدث في وزارة التخطيط الذي سوف يعلن عن نتائجه بشكل مباشر في الشهر المقبل، يظهر مستويات خط الفقر في كل محافظة ولأول مرة وتعمل هيئة الحماية الاجتماعية على تغطية أكثر نسبة لعدد الفقراء في كل محافظة والتي وصلت إلى أكثر من 95% من أعداد الفقراء في العراق لغاية الآن 7,000,600"، مردفاً بأن "عدد الفقراء حسب الإحصائيات لا يتجاوز أكثر من 8,000,500 في كل العراق".
وتحدثت بيانات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عن شمول 7,600,000 فرد بإعانات شبكة الحماية الاجتماعية، واستهدف تلك الاعانات الفئات الاكثر هشاشة في المجتمع لتحسين مستواها المعيشي، وتابع الموسوي أن "هناك خطة حكومية متكاملة لاستحداث صندوق للقروض في وزارة العمل يرتبط بالبنك المركزي, يسهل عملية منح القروض"، مشيراً الى أن "الإحصاء السكاني الذي أجرته وزارة التخطيط سوف يظهر لأول مرة مستويات خط الفقر في كل محافظة، ويدعم جهود هيئة الحماية الاجتماعية التي نجحت في توفير إعانات لأكثر من 95% من أعداد الفقراء في العراق البالغين 8,000,500 فرد في عموم محافظات العراق".
تشريع القانون
يتخرج من الجامعات والمعاهد العراقية أكثر من 400,000 طالب سنوياً، وتسعى غالبية الأسر العراقية الى زج أبنائها في تخصصات أكاديمية تحظى بأولوية ضمن التعيينات المركزية في مؤسسات الدولة المختلفة وخصوصاً الصحية منها، غير أن الحاجة الفعلية لتلك المؤسسات لا تكفي لاستيعاب الاعداد الكبيرة من الخريجين، ويقول خبير الاقتصاد نبيل جبار العلي لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "الاختصاصات التي تشهد تسجيل نسب بطالة مرتفعة بين الخريجين هي اختصاصات من يسمون بالعلوميين، الحاصلين على شهادة البكالوريوس في اختصاصات العلوم المختلفة، ومشكلة هؤلاء حاولت الحكومة حلها من خلال تعيين بعضهم في وزارة التربية أو غيرها من الوزارات، وكذلك الحال مع خريجي الاختصاصات الطبية، إلا أن حاجة تلك المؤسسات محدودة ولا يمكن استيعاب الجميع فيها".
ولإيجاد حلول لبطالة الخريجين تحدث عضو لجنة التعليم النيابية النائب فراس المسلماوي لوكالة الأنباء العراقية (واع) أن "اللجنة تدرس تشريع قانون جديد يسمى بالتوظيف الخاص، بنفس الامتيازات الموجودة في قانون التعيين بالقطاع الحكومي، يوفر سقفاً قانونياً لتعيين الخريجين في المؤسسات الخاصة مثل الجامعات الأهلية والمستشفيات الأهلية والمدارس الأهلية وضمان حقوقهم".
وأوضح المسلماوي أن "مشروع القانون ما زال مسودة في طور استكمال النقاش حوله، ومن المتوقع أن يبصر النور خلال الأشهر المتبقية من عمر مجلس النواب"، مضيفاً أن "مسودة القانون في حال إقرارها ستخلق توازناً بين القطاع العام والخاص، مثل ضمان الحقوق التقاعدية، وإمكانية الانتقال من القطاع الخاص إلى القطاع العام وبالعكس، ونقل الخدمات بالكامل واحتساب سنوات خدمة، وروح القانون هذا يجرى العمل به حالياً في القطاع الخاص بصيغة ضمان اجتماعي".