على الرغم من مرور عدة أيام على إعلان القضاء العراقي فتح تحقيق بقضية التسريبات الصوتية لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بعد عدة شكاوى تقدم بها مواطنون ومحامون للقضاء، فإن مصادر قضائية وأخرى سياسية أكدت أن القضاء لم يشكل حتى الآن فريق التحقيق الفني بفحص التسجيلات أو إعداد لائحة الاتهام الأولية المترتبة على تلك التسريبات.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى (أعلى سلطة قضائية في البلاد)، الثلاثاء الماضي، عن فتح تحقيق بشأن التسجيلات الصوتية المسربة المنسوبة إلى المالكي، مؤكداً في بيان أن "محكمة تحقيق الكرخ (في بغداد) تلقت طلباً مقدماً إلى الادعاء العام لاتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص التسريبات الصوتية المنسوبة لنوري المالكي.
وأوضح أن "التحقيق بخصوص التسريبات يجرى وفق القانون"، لافتاً إلى أنه لم يأمر باستدعاء المالكي، أو إصدار قرار بمنعه من السفر كما تنص لوائح القانون 111 لسنة 1969 الذي اعتمده المشتكون ضد المالكي، وهو ما يستغربه ناشطون ويعتبرونه كافياً لاعتبار أن التحقيق القضائي لن يكون ذا نتيجة.
ويواصل المالكي إصراره على أن التسجيلات المنسوبة له ليست حقيقة رغم إصدار تقرير تقني لمنظمة عراقية متخصصة أكدت صحته وعدم خضوعه لأي تلاعب.
وظهر المالكي عقب فضيحة التسريبات التي بات يطلق عليها "ويكليكس المالكي" مرتين؛ إحداهما في اجتماع لقوى سياسية لبحث تداعيات القصف على مدينة دهوك، والثانية في لقاء مع فضائية يملكها في بغداد، قال فيها إن "هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها عمليات فبركة وتزييف من صور مدمجة وأصوات، وكانت تنكشف لكن بعد التطور أصبح من الصعوبة التمييز بين الصحيح والمزيف والعملية أصبحت خطيرة وفرصة للفتنة بين أبناء الصف الواحد والوطن الواحد".
وأضاف أن "هذه العملية ستكون طويلة وسيذهبون باتجاه إثارة الفتنة، وتقف خلفها جهات سياسية قديمة داخلية وخارجية، وحساباتها سياسية وتوقيتها جاء لإثارة فتنة تزامناً مع محاولات تشكيل حكومة جديدة، وفيما يخص المطالبة بتسليم نفسي فهناك العديد من الشخصيات في الساحة متهمين باتهامات مباشرة فليسلموا أنفسهم أولاً".
وأكد أكثر من مصدر في مجلس القضاء الأعلى، لـ"العربي الجديد"، أنه لغاية الآن لم يتم انتداب خبراء تقنيين لفحص التسريبات ورفع تقرير. وقال أحدهم إن "القضاء لم يستدع أيضاً أياً من الأسماء الواردة في التسجيل، كما لم يجر الادعاء العام أي اتصالات لتحديد جلسة نظر بالقضية".
وأمس السبت، أظهرت وثيقة جديدة لعضو التيار الصدري مها الدوري رفعها شكوى جديدة ضد المالكي بتهمة السعي لإشعال حرب أهلية مستندة إلى تسريبات الاجتماع الأخير للمالكي.
من جهته، أعرب النائب المستقيل عن "الكتلة الصدرية" غايب العميري عن استغرابه من تأخر القضاء بإصدار أمر القبض بحق المالكي على خلفية التسجيلات المسربة له.
وذكر العميري، في بيان صدر عن مكتبه، اليوم الأحد، أن "المادة 195 من قانون العقوبات نصت على أنه يعاقب بالسجن المؤبد من استهدف إثارة حرب أهلية أو اقتتال طائفي وذلك بتسليح المواطنين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر أو بالحث على الاقتتال وتكون العقوبة الإعدام إذا تحقق ما استهدفه الجاني".
وأضاف أن "تصنيف هذه الجريمة جناية عقوبتها السجن المؤبد إذا استهدف إثارة حرب أهلية بتسليح المواطنين أو حملهم على التسلح أو الحث على الاقتتال، أو استهدف إثارة اقتتال طائفي بتسليح المواطنين أو بحملهم على التسلح بعضهم ضد البعض الآخر أو الحث على الاقتتال".
وأوضح العميري أن "عقوبة الجناية تكون الإعدام إذا تحقق ما استهدفه الجاني، وبالتالي فإن الجريمة قائمة بمجرد التصريح والدعوة إلى الاقتتال وتسليح المواطنين ضد بعضهم البعض"، لافتاً إلى أن "ما ذكره المالكي في التسريبات يكفي لنهوض المسؤولية الجزائية وفق المادة 195 عقوبات، ولا نريد أكثر من تحقيق العدالة وتطبيق القانون".
وكان زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر قد طلب أخيراً من المالكي تسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية، كما دعا عشيرته والقوى المتحالفة معه إلى التبرؤ من حديثه من أجل ما وصفه بـ"إطفاء الفتنة"، مضيفاً أنه يجب أيضاً استنكار "تحريضه على الفتنة والاقتتال (الشيعي-الشيعي)".
من جهته، أشار عضو حركة "وعي" سهيل هاتف إلى أن "التسريبات الصوتية للمالكي تأكد عبر فنيين عراقيين بأنه حقيقي، وأن المالكي تحدث عن فساد داخل هيئة الحشد الشعبي، ومشاريع بريطانية يقودها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إضافة إلى سعيه لتسليح 20 ألف مقاتل من أبناء العشائر في مدن جنوب العراق، وبالتالي فإن من واجب القضاء فتح تحقيقات وليس تحقيقاً واحداً بكل هذه التعليقات".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن "عدم إعلان القضاء لأي نتائج خاصة بالتحقيق الذي جرى الإعلان عنه، يوحي بأن القضاء متواطئ هو الآخر ضد العراقيين لصالح المالكي والأحزاب الشيعية".
من جهته، أكد المحامي العراقي أحمد عبد الرزاق أن "محكمة الكرخ التي أعلنت عن فتح التحقيق مطالبة بإصدار أمر استدعاء وليس إلقاء قبض على نوري المالكي، والتحقيق معه بشأن التحقيقات وعلى المالكي أن يقدم ما يثبت عدم صحة التسريبات من جهة، وما ينفي عنه خطورة ما أدلى به في التسجيل"، معتبراً، في اتصالٍ هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "المالكي تحدى القضاء في ظهوره المتلفز الأخير، ولا بد أن يكون القضاء بعيداً عن التأثيرات السياسية".
وكان الصحافي العراقي علي فاضل قد أنهى الجمعة الماضي نشر كل التسريبات الخاصة برئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بنشره محضر الاجتماع المسرب كاملاً والبالغة مدته 48 دقيقة، مع عدد من قيادات وأعضاء مليشيا تطلق على نفسها "لواء أئمة البقيع"، وتنشط في محافظة ديالى الحدودية مع إيران شرقي العراق.
وخلال الحوار، الذي جرى بين المالكي والحاضرين أكدوا له أن لديهم أكثر من 20 ألف مقاتل على الأرض، ويطلبون منه دعماً مالياً ولوجستياً وغطاء قانونياً، وقد وعدهم المالكي بتوفير ذلك.
كذلك ظهر المالكي في فقرات كثيرة من التسريبات وهو يهاجم قيادات في "الحشد الشعبي"، وسياسيين بارزين، إضافة إلى انتقاد المرجعية الدينية في النجف، علي السيستاني، بوصفها بـ"الصامتة".