في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها العراق، لا يزال الحديث دائرا حول إجراء الانتخابات المبكرة المقررة في 6 يونيو/حزيران القادم وفق الموعد الذي حدده رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي .. فما هي إمكانية إجراء الانتخابات بشفافية ونزاهة من أجل إحداث تغيير حقيقي وتهدئة الشارع الملتهب والغاضب؟
يرى مراقبون أن تلك الانتخابات لن تجرى في هذا الموعد لأن كل الظروف غير مهيئة، علاوة على أن الصراعات بين القوى السياسية والأحزاب والفصائل والسلاح المنفلت والمال الخارجي لن تسمح بتمرير وجوه جديدة قد لا تتفق مع خطط وطموحات بعض دول الجوار، أضف إلى ذلك أن الشباب العراقي المنتفض لن يقبل حاليا بأي ترقيع في العملية السياسية ويطالب بتغيير جدري.
يقول الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، العميد الركن حاتم الفلاحي، إن العراق يمر بظروف استثنائية الآن، فهناك أزمة اقتصادية خانقة وسلاح منفلت وانقسام سياسي وخلافات سياسية كبيرة جدا، وإشكالات بين حكومة المركز وبين حكومة كردستان العراق، كما أن هناك عدم تناغم بين الرئاسات الثلاث الموجودة وبشكل خاص بين البرلمان وبين رئيس الحكومة، فكيف تجرى الانتخابات في ظل تلك الأوضاع.
صراع سياسي
وأضاف إن مسألة تحديد موعد الانتخابات في البلاد تخضع لسلطة رئيس البرلمان العراقي وليس لرئيس الوزراء، وهو ما يعني أن قيام رئيس الحكومة بتحديد هذا الموعد يعني تضاربا في الصلاحيات بين الجانبين، لذلك من المبكر القطع بأن الانتخابات سوف تجرى في السادس من يونيو/حزيران المقبل طبعا للتاريخ الذي حدده رئيس الحكومة.
وتابع الفلاحي، علاوة على ما سبق فإن مسألة إجراء انتخابات نزيهة تعتمد على أمور كثيرة، منها مفوضية الانتخابات التي تم تشكيلها ويجب أن تكون نزيهة في هذا الأمر وأيضا تعتمد النزاهة على مدى تأثير السلاح المنفلت والمال الخارجي وتأثيره على الداخل العراقي، هذا بالإضافة إلى أن الشارع العراقي مازال يفقد الثقة في الوجوه السياسية الحالية، وليس لديه أمل في إجراء تغييرات سياسية حقيقية، وبالتالي أعتقد لو تم إجراء تلك الانتخابات في الموعد المحدد سيكون هناك عزوف كبير من جانب المواطنين عن الذهاب إلى المقرات الانتخابية للإدلاء بأصواتهم.
رفض في الشارع
وأشار الخبير الأمني والاستراتيجي إلى أن المناطق الغربية في العراق مازالت مدمرة وتعاني من إشكال كبير جدا في البنى التحتية، هذا سييجعل هناك ردة فعل من الناس بعدم الذهاب للانتخابات مرة أخرى، ولم تدرج تلك المناطق في الموازنة الجديدة لإعادة إعمارها أو إعطاء التعويضات للمواطنين.
ولفت الفلاحي إلى أن الوضع في العراق يشبه إلى حد كبير الجمر تحت الرماد، وقبل أيام كان هناك تصريح للكيان الجديد الذي أطلق عليه اسم "البيت الوطني" والذي تم تشكيله من الشباب المنتفض في الناصرية، بأنهم لم يحسموا حتى الآن رأيهم فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات القادمة، نظرا لاستمرار عمليات الاختطاف والقتل والاغتيال، والذين قالوا: إن لم تكن هناك قناعة بأن تلك الانتخابات قادرة على التغيير فلن نشارك بها.
الميليشيات المسلحة
من جانبه قال المحلل السياسي العراقيالعراقي وخبير القانون الدولي، الدكتور رحيم الكبيسي، عندما حدد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي موعد الانتخابات المبكرة كان يتوقع أن بإمكانه السيطرة على الميليشيات وسلاحها، أما الآن فقد أصبحت الميليشيات لها الدور الفاعل على الساحة، وبالتالي أصبح من الصعب جدا إجراء الانتخابات في ظل تلك الفترة الزمنية القصيرة التي تستوجب حل مجلس النواب قبل أربعة أشهر من إجرائها ونحن الآن في نهاية الشهر الأول.
وأضاف علاوة على ما سبق فإن الشارع يرفض مفوضية الانتخابات والتي جاءت على شكل محاصصة، وأيضا يرفض كل القوى التي سيطرت على الساحة السياسية، وما يحدث في الناصرية والتحرير وفي كل الساحات والتي ترفض تلك الطبقة السياسية.
خبير: توقيت العقوبات على قيادات الحشد الشعبي العراقي يأتي في سياق تنامي الأزمة إقليميا
وأوضح الكبيسي إذا أجريت الانتخابات وهو احتمال بعيد في تصوري، فلن تقدم تلك الانتخابات جديدا ولن تفرز سوى تلك الطبقة السياسية التي سامت الناس سوء العذاب منذ العام 2003 حتى يومنا هذا والتي تلاحقها الكثير من الاتهامات، ما بين القتل والسرقة والفساد.
وأشار خبير القانون الدولي إلى أن إجراء الانتخابات قد يكون من الصعوبة بمكان مما قد يدفع إلى تأجيلها إلى موعدها المقرر في الدستور في العام القادم 2022، وحتى لو أجريت الانتخابات إن لم تكن هناك رقابة شديدة من الأمم المتحدة، فإن الطبقة السياسية الحالية هي التي سوف تتصدر المشهد مجددا بما لديها من سلاح ومال سياسي.
التأجيل غير وارد
قال مستشار الرئيس العراقي، إسماعيل الحديدي، إن تأجيل الانتخابات البرلمانية المبكرة، ليس من مصلحة العراق لأن ذلك قد ينتج عنه العديد من المشكلات.
واتهم الحديدي في تصريح لراديو سبوتنيك، قوى سياسية لم يسمها بمحاولة تأجيل الانتخابات "لأنها غير مهيأة لها".
وقال إن الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) تؤكد على إجراء الانتخابات في موعدها من خلال لقاءات مع مفوضية الانتخابات باعتبارها الجهة القادرة على إنجاز الانتخابات فنيا.
وشدد مستشار الرئيس العراقي على أن "تأجيل الانتخابات قد ينتج عنه فقدان الثقة من قبل المواطن العراقي، الذي قد يلجأ للتظاهر مجددا لأن الانتخابات كانت مطلبا جماهيريا خلال الاحتجاجات التي شهدتها العراق (منذ أواخر 2019)".
وشدد الحديدي على ضرورة إجراء الانتخابات بالبطاقة البايومترية لجميع العراقيين المشمولين في الاقتراع، وذلك لضمان نزاهة الانتخابات.
ويدور الحديث عن بطاقة خاصة بالناخب تحتوي على شريحة إلكترونية عليها جميع بياناته بما فيها بصمات الأصابع، وذلك لضمان التأكد من هوية الناخبين والحيلولة دون وقوع عمليات تزوير في الانتخابات المقرر إجراؤها في السادس من يونيو/حزيران المقبل.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات في الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.