يعتمد العراق خلال ما يزيد على عقدٍ ونصف العقد على إيران مورّداً رئيسياً للطاقة التي تبيعه إياها بأسعار باهظة تفوق متوسط السعر العالمي، فيما يواجه المسؤولون العراقيون انتقادات لاذعة في البلد الغني بالنفط لكنّ مواطنيه يعانون أزمة انقطاع التيار الكهربائي على نحو متكرر.التبعيّة تفجر الأزمةتصدر طهران نحو ١.٢ غيغاوات من الكهرباء إلى بغداد، ويعادل هذا الرقم 7% تقريباً من إجمالي احتياجات العراق من الكهرباء البالغة 18.4 غيغاوات. وتحل مساهمة إيران في المرتبة الأولى بين الدول المساهمة في شبكة الكهرباء العراقية، وتكون في شكل صادرات غاز طبيعي.ووسط الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي استمرّ لسنوات في العراق نظراً لتردّي البنية التحتيّة المتعلّقة باستثمار الغاز الطبيعي في محطات توليد الكهرباء، قررت وزارة الطاقة الايرانيةفي وقت لاحق الأسبوع الماضي، خفض إمدادات الغاز إلى العراق بالمنطقتين الوسطى والجنوبية من 49 مليوناً إلى 8 ملايين متر مكعّب يومياً.وقالت وزارة الكهرباء العراقية في بيان إنّ خفض إمدادات الغاز الإيرانية أدّى إلى فقدان شبكة الكهرباء الوطنية في العراق نحو 5500 ميغاوات.ويستورد العراق الغاز الإيراني بسعر 11.23 دولاراً لكل ألف قدم مكعّبة، وهو سعر مرتفع مقارنة بالأسعار العالمية.وتبع القرار الإيراني اعبان شركة توتالالاثنين، توقيع اتفاقيات طاقة مع العراق بقيمة 10 مليارات دولار. وحسب الشركة الفرنسية، فإن الاتفاقيات تهدف إلى "تعزيز تنمية الموارد الطبيعية العراقية وتحسين إمدادات الكهرباء في البلاد".وخلال الأعوام الماضية، أُهدِر ما يزيد على نصف الغاز الطبيعي العراقي، إذ يُحرَق لعدم توفُّر بنى تحتيّة ومعدّات مناسبة لجمع الغاز في حقول النفط العراقية ثم استخدامه في عملية توليد الكهرباء.ووفقاً للبنك الدولي فإن العراق يحرق نحو 18 مليار متر مكعّب من الغاز المرتبط بالبترول سنوياً، ليصبح الأعلى عالمياً بعد روسيا. وتُعد تلك الكمية كافية لمد نحو 3 ملايين منزل بالطاقة، حسب وكالة الطاقة الدولية.ويتهم متابعون لشؤون الطاقة العراقية المسؤولين في بغداد بعدم السعي لتوفير البنى التحتيّة اللازمة لاستغلال طاقتها من الغاز الطبيعي، مؤكّدين أن حرقه يسبب كوارث بيئيّة وصحيّة، مثل الاحتباس الحراري، وعديد الأمراض من ضمنها الربو والسرطان وارتفاع ضغط الدم.فضلاً عن أن ذلك يزيد من تبعيّة العراق لإيران في ملف الطاقة.ومع عجز الحكومة العراقية عن سداد ديونها الناتجة عن استيراد الغاز بأسعار باهظة من طهران، تمتنع الأخيرة عن توفير كامل الإمدادات من الغاز الطبيعي المتعاقد عليها للعراق، ليحفّز ذلك الاحتجاجات بسبب انقطاع الكهرباء.ضغوط دوليّة لتنويع الطاقة العراقيةسعت واشنطن بجانب بعض الدول العربية خلال السنوات الماضية، للقضاء على تبعيّة بغداد لطهران في ملف الطاقة، لما تراه واشنطن من التفاف إيراني، من خلال تعاونها في مجال الطاقة مع العراق، على العقوبات المفروضة عليها.وتصر امريكا على أن يعمل العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة "أوبك"، على تحقيق الاكتفاء الذاتي كشرط لاستثناء واردات الطاقة الإيرانية، إلا أنّ بغداد تواجه صعوبة في ذلك لأسباب من بينها هبوط أسعار النفط.ومدّدت واشنطن مِراراً لمدة 90 أو 120 يوماً إعفاءات من العقوبات للسماح لبغداد باستيراد الطاقة من طهران، بعدما أعادت واشنطن فرض عقوبات على النفط الإيراني ومنعت الدول من شراء الطاقة منها.وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب فرض عقوبات ثانوية أمريكيّة على طهران، ساعياً بذلك لوقف صادرتها إلى بغداد، لكن صدرت لاحقاً إعفاءات من العقوبات شريطة عمل العراق على تقليل الاعتماد على إيران.ويرى مراقبون أن الإصرار العراقي على استيراد النفط الإيراني كان سببه وزير النفط العراقي السابق جبّار اللعيبي وبعض الأحزاب السياسية المقرّبة من طهران، رغم معارضة كبار المختصّين والمهندسين بوزارة النفط العراقية، لتعود على الإيرانيين عوائد مالية تقدّر بنحو 3.5 مليارات دولار سنوياً من تصدير النفط إلى العراق.وفي إطار جهود الولايات المتحدة الرامية لتقويض النفوذ الإيراني، عرضت السعودية عام 2018 على العراق التعاون حول تزويده بالكهرباء، وتعرّضت بغداد إلى عديد الضغوط الأمريكية لدفعها إلى التوجّه نحو جيرانها العرب لتنويع إمداداتها للطاقة.وتواصل إدارة جو بايدن تنفيذ العقوبات التي فُرِضت في عهد ترمب، والتي باتت من ضمن العوامل المساهمة في المزيد من التعقيدات المتعلقة بسداد العراق ديونه لإيران، المقدّرة بنحو 6 مليارات دولار أمريكي، حسب بعض المراقبين.فيما يذهب البعض إلى أن الاتفاقيات المُبرمة مؤخراً بين الإدارة العراقية وشركة "توتال" الفرنسية، قد تعكس تغيّراً في مقاربة بغداد تجاه تعاونها في مجال الطاقة مع إيران، وأنها قد تبدأ أخيراً في الابتعاد عن الدوران في فلك الطاقة الإيراني.