قال صحافيون عراقيون إنهم يتعرضون لمضايقات وتهديدات غير مباشرة من مسؤولين أمنيين في محافظتي ذي قار وبغداد، بشأن تغطيتهم موجة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها مدينة الناصرية، في محاولة لمنع تمدد موجة التظاهرات إلى مدن أخرى، وتحديداً في العاصمة بغداد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تضيق فيها السلطات العراقية على الصحافيين، فقد شهدت الأشهر الماضية حملات متعددة، تسببت بهجرة عشرات الناشطين والإعلاميين إلى إقليم كردستان، كما اضطر آخرون إلى مغادرة العراق.
وتجددت، أمس الجمعة، التظاهرات في الناصرية، مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، فيما عادت المواجهات بين المتظاهرين، الذين يقدر عددهم بالمئات، وقوات الأمن التي استخدمت الرصاص الحي وقنابل مسيلة للدموع لتفريق مَن يطالبون بالإفراج عن رفاقهم المعتقلين والمغيبين، ووقف موجة الاعتقالات التي تنفذها قوات الأمن بحق ناشطين تحت ذرائع مختلفة.
وتركزت التظاهرات في "ساحة الحبوبي" و"شارع سومر" وقرب "جسر نبي الله إبراهيم الخليل" و"شارع البهو". وفي كل هذه المناطق، أقدمت قوات الأمن العراقي على إطلاق الرصاص بعد بدء تجمع المتظاهرين الذين حمل بعضهم لافتات تهاجم رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، معتبرة إياه "مخادعاً" وغير جاد في محاسبة الفاسدين أو كشف قتلة المحتجين، على خلفية تنصله من وعود وقف الاعتقالات وكذلك ملاحقة الجهات التي تقف خلف اغتيال الناشطين.
وأبلغ ثلاثة صحافيين، في محافظة ذي قار وبغداد، بأنهم تعرضوا لمضايقة وتلميحات من مسؤولين أمنيين بشأن تغطيتهم الأخيرة لأحداث ذي قار، على غرار عبارات "لا تجيب مشاكل لنفسك"، أو "خليك بعيد"، أو لا تثير الفتن".
وقال أحدهم في ذي قار أن ضابطاً في قوات التدخل السريع حمّله مسؤولية أي "صورة سلبية تخرج في الإعلام عن قوات الأمن"، بينما أكد آخر أن بعض المواقع الإخبارية في بغداد صارت "تتجنب نقل أخبار الاحتجاجات بشكل غير مفهوم".
وتحدث صحافيون آخرون في بغداد عن "جيوش إلكترونية للمليشيات تتابع صفحات الناشطين والصحافيين الذين يكتبون وينشرون الانتهاكات التي تمارسها القوات الأمنية وعناصر الفصائل المسلحة في الناصرية"، وبينوا لـ"العربي الجديد" أنهم صاروا يراسلون الشخص عبر حسابه الخاص ويهددونه بعبارات مختلفة، فضلاً عن اتصالات يتلقونها من أرقام دولية، معظمها تحمل الكود الدولي لدولة أذربيجان، تعمل على ترهيب الصحافيين وتدعوهم إلى الكف عن التدوين والكتابة عن أحداث الناصرية، وتمنعهم من الدعوة إلى تجديد التظاهرات أو كشف الفصائل المسلحة المتهمة بقتل المحتجين واختطافهم".
وأفادوا بأن "القوات الأمنية اعتقلت، أمس الجمعة، مراسل قناة (زاكروس)، إضافة إلى مراسل موقع (شبكة الناصرية) الإخبارية، وأفرج عنهما بعد إجبارهما على التعهد بعدم تغطية أخبار المتظاهرين في الناصرية".
وأكد الصحافي العراقي أواب أيوب، في تغريدة"، أن "أي صحافي يغطي أحداث البارحة في الحبوبي مهدد (رسمياً) بالتضييق عليه وصولاً إلى سجنه".
من جهته، قال عضو النقابة الوطنية للصحافيين العراقيين، علي عباس، إن "السلطات العراقية، بما فيها الحكومة، لا تريد أن يمارس الإعلام دوره في كشف الحقيقة، وتحديداً الحقيقة المرتبطة بالجهات التي تمارس تعنيفاً لا إنسانياً ضد المحتجين، وهي تدعم إلى جانب المليشيات التضييق على الصحافيين ومنع حرية التعبير".
وأكمل في اتصالٍ مع "من كربلاء الخبر " أن "الحكومة العراقية الحالية مؤلفة من صحافيين، حتى إن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي صحافي في الأصل، ولكنه لا يمارس أي دور في حماية الصحافيين، كما أنه لا يمانع الاعتداء عليهم"، مشيراً إلى أن "النقابة الوطنية للصحافيين ترفض التضييق، وتعتبره تجاوزاً على حرية الصحافة، كما أنه يُعد خرقاً للقانون العراقي".
وكانت التظاهرات العراقية اندلعت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، عقب دعوات انطلقت عبر موقع "فيسبوك" إثر تردي الخدمات وتفاقم نسبة البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد.
وطوال السنة الماضية، شهدت التظاهرات عمليات عنف غير مسبوقة، ولا سيما بعدما دخلت جماعات مسلحة، وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل وقمع واختطاف المحتجين والناشطين. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.