تسليح سياسي:
أبرز سمات العشائر العشائر العراقية في الوسط والجنوب إمتلاكها أنواعاً متطورة الأسلحة المتوسطة، ويُصنف بعضها سلاحاً ثقيلاً في بعض الدول كمدافع الهاون، والتي تتسلح بها الكثير من القبائل العراقية، بهدف الدفاع عن نفسها، وتحقيق توازن قوى بين العشائر المنافسة على السطوة، والسلطة، والإستحواذ، وفرض الأمر الواقع.
ونتيجة للتسابق بين تلك التجمعات العشائرية التي لا تؤمن بسطوة الدولة، ومؤسساتها، في اقتناء أسلحة قد لا تتوفر بعضها عند الدولة، أو انها من مخلفات النظام السابق التي لا تستخدمها القوى الامنية والجيش الآن.
البيئة الأمنية في الجنوب تتيح لتلك العشائر الحصول على السلاح بسهولة وبأسعار غير مرتفعة بالنسبة لسوق السلاح العالمي، اذ تدعم بعض الجهات غير الحكومية، عملية ترويج السلاح بين القبائل والتجمعات البشرية لأسباب تتعلق بتقويض سلطة الدولة، وإضعاف الحكومات المتعاقبة، لتمرير مشاريع سياسية في العراق، بعضها إستراتيجية وأخرى أقتصادية مرتبطة بمصالح دول الجوار الإقليمي.
إستخدام العشائر:
تسعى تكتلات كثيرة ضمن العملية السياسية، ومراكز قوى، وشخصيات إجتماعية، وشيوخ ووجهاء حديثي العهد بالسلطة والمال، لتسخير قوة بعض العشائر لحماية مصالحها، ودعم نفوذها وقوتها من خلال التلويح بتلك القوى او التهديد بشكل مباشر، خاصة ما يتعلق بالمناقصات والمزايدات في مواقع خدمية وتجارية، في مختلف القطاعات.
وتبعاً لذلك تتصاعد عملية التسليح بالتوازي مع توسيع مساحة نفوذ تلك التكتلات، والتي تطورت لتكون مراكز قوى لا يستهان بها، تمارس مختلف الانشطة، وتشتد معها حدة التنافس لتصل في أحيان كثيرة الى التصادم والاقتتال، ولوي الأذرع، وكسر ارادة كبار الموظفين، وبعض المسؤولين غير المُسندين، الذين لا ينصاعون لتنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم.
تخادم الفساد مع السلاح:
وجد عدد كبير من الموظفين في المواقع المهمة بالحكومات المتعاقبة ظالتهم في الإفلات من العقاب، واللجان الرقابية، والهيئات القضائية الخاصة بمتابعة الأموال العامة، نتيجة تجاوزاتهم على المال العام، وسوء الادارة، فشكلو تجالفاً عملياً غير معلن، للضغط على مراكز اتخاذ القرار ، شعبوياً من خلال التعبئة العددية، أو عبر التصريح مباشرة بإمكانات، وادوات وقوة العشيرة، العددية والتسليحية ان لزم الامر.
إغتيال القانون:
نتيجة طبيعية في ظل سيادة الفوضى غير المباشرة، في كثير من الاوساط الحكومية، خاصة في محافظات محددة في الجنوب، وبعض القرى والقصبات البعيدة عن مراكز المدن، وسادت فيها اعراف وقوانين عشائرية، ليست متوافقة مع القانون العراقي المدني، وفرض الالتزام بتلك الاعراف اصبح من المقدسات، في حين لا يتم الالتزام بقانون الدولة الا بمقدار خدمة مصالح العشيرة، ونتج عن ذلك ايضاً تغلب بعض العشائر على الاخرىٰ، واستفرادها بالقرار، بعيداً عن تدخل اجهزة الدولة الحكومية، بل وصل الأمر ان بعض دوائر الدولة أصبحت تستعين مباشرة بقوة تلك العشائر في أمور امنية بحتة.
السُنة .. إستيعاب الدرس:
بعد احداث دامية استمرت 10 سنوات او اكثر، استوعب سكان المناطق المحررة في الموصل والانبار وتكريت الدرس جيداً، خصوصاً بعد استكمال التحرير وتشكيل ادارات جديدة، اعتنت بالخدمات، واستبعدت كل مظاهر السلاح، واستطاعوا استقطاب اموال وجهود استثنائية محلية واقليمية ودولية لاعادة الاعمار، والشروع بتشكيل نظم مجتمعية بعيدة عن أي تنظيم مسلح، والدفع باتجاه تدعيم سيادة القانون، وقد نجحت تلك الخطوات نسبياً، وانعكست مظهراً سياسياً موحداً قبيل وبعد انتخابات 2022.
الخلاصة:
في مجتمع يحترم التراث، ويؤمن بالرأي الواحد، يسوده الجهل وقلة المعرفة، يكون بحاجة فعلية لقوة تجمع بين الولاء، وقدسية رابطة الدم، وتزداد تلك الحاجة مع كل اخفاق سياسي بادارة البلاد، ومع انهيارات حقيقية في مفاصل الدولة الخدمية، وواقع معاشي صعب، تبقى العشيرة هي ملاذ أخير، وخيّار أوحد لشريحة غير بسيطة من الناس، يسعون جميعاً ان تكون الأفضل والأقوى الأوسع نفوذاً، بغض النظر عن الطريقة، فالغاية أسمى من كل استخدام كل الوسائل.