منذ تسعينيات القرن الماضي، حاول العراق تحقيق تقدم ملحوظ في موضوع إنشاء أنبوب نفطي يمتد من الأراضي العراقية إلى الأراضي الأردنية، ليصل إلى هدفه الأساسي في ميناء العقبة، لكن العراقيل التي واجهت الحكومات العراقية كانت متعددة، أولاها العقوبات الاقتصادية وثانيها انهيار الوضع الأمني وخصوصاً في الأنبار التي يمر الأنبوب عبر أراضيها.
وخلال فترة حكم نظام صدام حسين، كان التفكير بخلق منافذ تصديرية جديدة بعد تعرّض منافذ البصرة إلى الهجمات خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وإغلاق النظام السوري الأنبوب العراقي المار عبر أراضيها إلى ميناء بانياس، ولهذا فإن التوجه كان بإنشاء سلسلة من الأنابيب مع دول الجوار، لضمان استمرار صادرات النفط العراقي، وعدم تأثر الاقتصاد العراقي بالحرب.
منافذ البصرة
لكن ما حصل بعد قيام النظام السابق بغزو دولة الكويت في أغسطس (آب) عام 1990، وتعرّض العراق لعقوبات دولية قاسية، أوقف أغلب هذه المشاريع، وجعل منها حبراً على ورق، ومجرد حديث رسمي عراقي للاستهلاك الداخلي، ولم تستطع الحكومة العراقية في حينها تفعيل أي مشروع لبناء الأنابيب سواء داخلياً أو خارجياً بسبب العقوبات، ما اضطرها للعودة إلى التصدير عبر منافذ البصرة والأنبوب العراقي - التركي.
وبعد أبريل (نيسان) 2003، لم تتحرك الحكومات العراقية بشكل فعّال لإثارة ملف إنشاء أنبوب لنقل النفط إلى الأردن إلا في نهاية 2018، بعد قناعتها بضرورة إيجاد منفذ جديد للتصدير خارج منافذ البصرة والأنبوب العراقي - التركي، لكون الاثنين لم يعودا كافيين لتصدير إنتاج النفط العراقي خلال السنوات المقبلة، والذي من المتوقع أن يصل إلى أكثر من 7 ملايين برميل يومياً.
فموانئ البصرة النفطية ومنصاتها قادرة في أفضل حال على تصدير ما يقارب أربعة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، والأنبوب العراقي - التركي الذي بدأ تشغيله عام 1976، يصدر النفط من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي، والبالغة طاقته التصميمية 1.6 مليون برميل، انخفضت طاقته إلى 600 ألف برميل في أفضل حالاته، نتيجة قدمه وتضرر أجزاء واسعة منه بسبب هجمات كثيرة للجماعات المسلحة استهدفته بالعبوات الناسفة منذ عام 2003.
وبموجب الوضع الحالي لإمكانات العراق التصديرية، فسيكون عاجزاً خلال السنوات القليلة المقبلة عن تصدير ما قيمته 1.5 مليون برميل إذا ما حسبنا قيمة الاستهلاك اليومي، الذي من المتوقع أن يتجاوز المليون برميل يومياً في حال شهد العراق نشاطاً اقتصادياً كبيراً. ولهذا فإن خطط العراق ذهبت باتجاه الأردن لفتح بوابة جديدة لتصدير النفط، بعد قناعته بصعوبة ذلك عبر الأراضي السورية، بسبب استمرار سيطرة جماعات مسلحة مختلفة، سواء كانت تابعة لإيران أم لتركيا، أم متحالفة مع النظام السوري على الأراضي التي يمر بها أنبوب التصدير.
وجاءت الجدية العراقية في إنشائه بسبب الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً في ظل مخاوف من حدوث حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ووقف حركة الناقلات النفطية عبر مضيق هرمز، فضلاً عن جعل العراق أكثر مرونة في التعاطي مع هذا الملف بعيداً عن الضغوط المحلية والإقليمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتلخص المشروع في مد أنبوب نفطي بطول 1700 كيلومتر من حقول البصرة إلى قضاء حديثة في محافظة الأنبار، على أن تبدأ المرحلة الأولى بمد 700 كيلومتر قبل الشروع بالمرحلة الثانية التي تصل إلى خليج العقبة، وبطاقة أولية تبلغ مليون برميل يومياً.
ودعت وزارة النفط العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2019 الشركات والائتلافات المؤهلة إلى تقديم عروضها لتنفيذ الأنبوب العراقي - الأردني، وقالت إنها تسعى لتنفيذ المشروع قبل نهاية عام 2020.
الربع الأول من العام المقبل
وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار قال في أول تصريح له عن الأنبوب النفطي بعد جائحة كورونا في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن "الوزارة باشرت بتسلم العروض التجارية والفنية الخاصة بإنشاء أنبوب تصدير النفط الخام من البصرة جنوب البلاد إلى مدينة العقبة الأردنية على البحر الأحمر، بطاقة مليون برميل يومياً".
وتوقع أن يشهد الربع الأول من عام 2021 إحالة المشروع بشكل كامل للشركات، ليتسنى بعدها البدء فيه.
التوقيت غير مناسب
إلا أن لجنة النفط والطاقة النيابية وصفت توقيت إنشاء الأنبوب بـ "غير المناسب"، وبينت أنها ستستضيف قريباً وزير النفط لبحث الموضوع بشكل تفصيلي.
وقال عضو اللجنة بهاء نوري إن "الجميع يتمنون زيادة منافذنا التصديرية تحسباً لأي طارئ، إلا أن الأزمة الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط يجعلان الوقت غير مناسب لمثل هذا المشروع، لأنه سينعكس سلباً على الاقتصاد العراقي".
ويضيف أن المشروع يمكن تنفيذه في حال زيادة أسعار النفط وحصة العراق النفطية مستقبلاً، فالحكومة الحالية منشغلة بمهمتي إجراء الانتخابات وفرض سلطة القانون، أما القضايا الاستراتيجية فستقوم بها الحكومة المقبلة".
مكلف جداً
بعض المتخصصين في مجال النفط اعتبروا إنشاء الأنبوب غير مجد اقتصادياً للعراق في ظل انخفاض سعر النفط والكلفة العالية لنقله إلى الأردن.
ويقول حمزة الجواهري، إن "الأنبوب سيعوض الخط الاستراتيجي القديم من البصرة إلى حديثة، ليدخل في وادي حوران وهي من المناطق التي ينشط فيها تنظيم داعش الإرهابي، وتعتبر غير آمنة".
وقدمت بعض الشركات التي تريد إنشاء الأنبوب واستثماره عروضاً تبلغ قيمتها 18 مليار دولار لتنفيذه بحسب الجواهري، الذي يعزو ارتفاع كلفة إنشاء الأنبوب إلى التحدي الأمني خلال فترة الإنشاء، والتوقعات بتعرضه لمشكلات أمنية تؤدي في بعض الأحيان إلى تفجيره.
وهناك نقطة أخرى بحسب الجواهري تجعل من المشروع غير مجد اقتصادياً، تتمثل بكون كلفة النقل من العراق إلى الأردن عبر الأنبوب المزمع إنشاؤه تبلغ ستة دولارات للبرميل، في حين أن نقله عن طريق الخليج تصل كلفته إلى ستة سنتات، أي بزيادة تقدر بعشرة أضعاف.
لكن الاقتصادي عبدالرحمن المشهداني يرى في إنشاء الأنبوب خطوة مهمة لتنويع منافذ التصدير العراقية، لتعويض التراجع في طاقاته التصديرية من منافذ أخرى.
مهم للعراق
ويقول إن الخط التركي انخفضت طاقته التصديرية ما بين 400 إلى 600 ألف برميل في اليوم، وهو خط متهالك لا نستطيع الاعتماد عليه، فضلاً عن أن الطاقة الإنتاجية لموانئ البصرة تصل إلى 4.5 مليون برميل، مما جعل خيارنا هو إنشاء أنبوب نفطي عبر الأراضي الأردنية".
وتبلغ كلفة نقل النفط عبر الأردن دولاراً ونصف الدولار للبرميل الواحد، وهي الكلفة ذاتها التي تحصل عليها أنقرة، لكن الفرق بحسب المشهداني أن الشركات الاستثمارية التي ستقوم بتنفيذ الأنبوب وتشغيله ستحصل على خمسة دولارات عن كل برميل يومياً يصدر إلى الأردن.
ويشير المشهداني إلى أن خط الأنبوب سينتهي بميناء العقبة، لكن هناك توجهاً لأن يمر عبر قناة السويس لتزويد مصر بالنفط، لضمان مشترين للنفط العراقي من جهات مختلفة.
جائحة كورنا سبب التأخير
وبحسب الوزارة المعنية، فإن المشروع كان من المقرر أن يتم البدء فيه هذا العام، إلا أن جائحة كورونا أجلت المشروع. ومن المقرر أن تنفق الشركات الاستثمارية على المشروع من دون أي مخصصات مالية من قبل الحكومة العراقية، وسيتم استيفاء الكلفة بحسب الفترة الزمنية بعد التشغيل