×

أخر الأخبار

يوليسيس

  • 19-10-2014, 13:59
  • 552 مشاهدة

 

 

حسناً فصل الشاعر والمترجم العراقي صلاح نيازي حين عكف وقتاً طويلاً على ترجمة (يوليسيس) للايرلندي (جيمس جويس)، هذا العمل السردي الفذ الذي أصبح حداً فاصلاً لما قبل ولما بعد في السرد العالمي، وصلاح نيازي شاعر مهم ومترجم قادر على ترجمة هذه التحفة السردية الفريدة، في فترة الثمانينيات من القرن المنصرم دخلت نسختان من هذه الرواية إلى العراق، الأولى أدخلها الراحل عبد الستار ناصر والثانية أدخلها القاص السوداني محمد خلف الله، وقد قرأت نسخة خلف الله وكتبت عنها في مجلة الطليعة الأدبية حينذاك، الترجمة كانت للمترجم المصري طه محمود طه وصدرت بجزأين من القطع الصغير وصارت بحدود الألف وأربعمئة صفحة ، وقد تفرغ المترجم مدة تنيف على الثلاثين سنة لترجمة ودراسة وتتبع آثار(جيمس جويس) حتى أنه سافر الى ايرلندا وتابع خطوات المستر بلوم.

 

تتكون هذه الرواية من ثلاثة عناصر: السرد الرمزي للرواية، المستويات الروحية للكوميديا الالهية والمشاكل النفسية (لهاملت)،حيث يقدم( هوميروس) للحبكة ويقدم ( دانتي) المناظر ويقدم (شكسبير) الدافع، وقد قام دانتي بضغط رحلته إلى ثلاثة أيام هي المطهر والجحيم والفردوس، أما جويس فقد تخلى عن النفس الملحمي في سبيل دقة الوحدات الثلاث الدرامية الأرسطية الجديدة، فالزمان يوم واحد والمكان مدينة واحدة وهي (دبلن)، والحبكة فعل واحد هو التقاء ستيفن ديدالوس بطل رواية ( صورة الفنان في شبابه) مع ( مستربلوم)، ان اختيار (جويس) لعنوان الرواية هي محاولة لمزج الواقع بالخيال والماضي بالحاضر والزمان بالأبدية، ولهذا يمكننا القول ان تحرك ستيفن ديدالوس بخياله وفكره هو تحرك زماني وتجوال (المستربلوم) هو تحرك مكاني، وأما( مسزبلوم) فتمثل الرمز الذي يربط الزمان بالمكان.

 

اعتمد ( جويس) في كتابة روايته على ( الأوديسة) الملحمة الشعرية التي تنسب إلى (هوميروس) وهي فضلاً عن ( الالياذة) تمثل الركن الأساسي في الأدب الغربي، تتحدث الملحمة عن ( يوليسيس) ورحلة عودته إلى بيته في جزيرة (ايثاكا) بعد سقوط طروادة، استغرقت رحلته عشر سنوات حتى يصل إلى بلده بعد حرب طروادة التي استغرقت هي الأخرى عشر سنين.. لقد كثر الحديث عن رائعة ( جيمس جويس) وعدوها ثورة على اللفظ والكلمة واعتبروها فتحاً جديداً في عالم السرد فهي تمثل قصة المستقبل، وثمة من هاجمها على أنها قصة قذرة وغامضة تعّمد صاحبها أن يعقدها دون مبرر، بينما قال عنها العالم النفسي (يونج) وهو يشير الى الفصل الاخير (تداعيات مسزبلوم) ،( أظن ان جدة الشيطان وحدها هي التي تعرف كل هذا عن سايكولوجية المرأة اما انا فلا... ان هذا الفصل يعتبر عقداً من الدرر النفسية)، اما نورثروب فراي فيقول عنها: (ان يوليسيس في الواقع انتصار النمط المحاكاتي الواطئ)، أي انها ترفع الشخصيات المبتذلة والأفعال العادية الى مستوى الاعتبار الفني وتنجز، وهي تحتفي بها السر المقدس للحياة اليومية، والمفارقة العجيبة ان الرواية وهي تحتفي بالحياة اليومية وبالناس العاديين، ولكنها لم تقرأ إلا من النخبة فقط ولا تثير شيئاً أو ردّة فعل لدى الناس العاديين الذين تناولتهم، بمعنى أن( يوليسيس) التي تتحدث عن هؤلاء الناس لم يقرأها الا النخبة والدارسون والمتخصصون في الأدب والسرد، بل حتى البعض من النخب المثقفة لا تستطيع قراءة هذه الرواية لما فيها من صعوبة وتعقيد وبناء لغوي متشابك ..أنا سعيد بصدور الجزء الثالث من ترجمة الشاعر صلاح نيازي وسنكون بانتظار إنجاز الجزء الرابع والأخير.