الصفحة الرئيسية / رئيس محكمة استئناف نينوى: تجربة العراق في ملف الهول برهنت أن العدالة يمكن أن تكون إنسانية وقانونية

رئيس محكمة استئناف نينوى: تجربة العراق في ملف الهول برهنت أن العدالة يمكن أن تكون إنسانية وقانونية

من كربلاء الخبر - بغداد

أكد رئيس محكمة استئناف نينوى القاضي رائد مصلح، أن تجربة العراق في مجال المساءلة والمقاضاة الشاملة وإعادة التأهيل والاندماج شكّلت نموذجاً قانونياً وإنسانياً متقدماً، مشيراً إلى أن ملف إعادة عوائل مخيم الهول مثّل أحد أبرز التحديات الإنسانية والقانونية والأمنية بعد دحر عصابات داعش، فيما شدد على أن القضاء العراقي قدّم حلولاً استثنائية لضمان العدالة وحماية الحقوق، وأرسى قرارات قانونية غير مسبوقة ساهمت في معالجة الأزمات الإنسانية المعقدة، بالتكامل مع مبادرات المصالحة المجتمعية وإعادة الاندماج.
وقال القاضي مصلح في كلمته بـ اجتماعات الأمم المتحدة حول تجربة العراق في مجال المساءلة والمقاضاة الشاملة وإعادة التأهيل والاندماج وتابعته وكالة من كربلاء الخبر "نقف في مقر الأمم المتحدة لمناقشة قضية حيوية تهم المجتمع الدولي كله، وهي قضية إعادة عوائل مخيم الهول إلى أوطانهم"، مبيناً أن "هذه القضية ليست مجرد مسألة قانونية أو سياسية، بل هي قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وتشمل آلاف النساء والأطفال من عوائل عناصر التنظيم، وكثير منهم بلا وثائق رسمية أو حتى هوية واضحة".
وأضاف، أن "ملف إعادة العوائل من مخيم الهول شكّل أحد أبرز التحديات الإنسانية والقانونية والأمنية التي واجهها العراق بعد دحر عصابات داعش الإرهابية"، مؤكداً أن "القضاء العراقي لعب دوراً محورياً في تنظيم هذه العودة وإنجاح عملية الإعادة المجتمعية وضمان العدالة وحماية الحقوق، من خلال الإشراف القانوني المباشر على فحص ملفات العائدين والتأكد من خلوهم من قضايا جنائية والتحقق من أوراق الهوية والنسب".
وأوضح، أن "القضاء عمل على تحقيق العدالة عبر محاسبة المتورطين في جرائم إرهابية وإطلاق سراح الأبرياء والأطفال والنساء غير المتورطين، ضمن إطار قانوني عادل، يراعي حقوق الإنسان ويمنع أي شكل من أشكال التعذيب أو الإخفاء القسري، مع ضمان محاكمات عادلة بمراقبة حقوقية وشراكة مع منظمات إنسانية دولية".
وتابع مصلح: "أخطر التحديات التي واجهت القضاء تمثلت في إثبات عقود الزواج ونسب الأطفال، إذ إن أغلب العقود غير موثقة، والرجال إما هاربون أو مجهولو المصير، أو من جنسيات أجنبية متعددة، وهناك أطفال من مجهولي الأب أو ولدوا لآباء مجهولي المصير أو أجانب، مما صعّب من عملية تسجيلهم قانونياً".
وبيّن أن "القضاء العراقي استجاب لهذه الظروف الاستثنائية عبر قرار قضائي ملزم أصدرته الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية، اعتُبر سابقة قانونية، حيث أجاز إثبات الزواج والنسب بالشهادة وليس فقط بالوثائق، مع إعطاء الأفضلية لشهادات والد أو والدة الزوج الهارب أو أقاربه عند غياب الزوج أو الوثائق الرسمية"، لافتاً إلى أن "هذا القرار أتاح للعديد من النساء والأطفال الحصول على الاعتراف القانوني بالنسب وتسجيلهم رسمياً، بما مكّنهم من ممارسة حقوقهم القانونية والاجتماعية".
وأشار إلى أن "القضاء العراقي قام أيضاً بتبسيط الإجراءات عبر انتقال القضاة والموظفين إلى داخل مخيم الهول لإصدار حجج وقرارات قضائية، مما سهّل على العوائل العائدة الحصول على حقوقها القانونية بشكل ميسر وسريع"، مضيفاً أن "القضاء أسهم في تشكيل فريق نينوى التطوعي، الذي يضم أساتذة مختصين في مختلف المجالات، لتقديم الدعم النفسي والتربوي والمعرفي للعوائل العائدة، بهدف إعادة دمجهم في المجتمع بشكل آمن ومستقر".
وأكد مصلح، أن "الفريق التطوعي يعمل على إطلاق برامج متخصصة لدعم الأطفال والنساء، إضافة إلى برامج مصالحة مجتمعية تستهدف عوائل الضحايا والشهداء، لتمكين المجتمع من تقبّل العوائل العائدة وتهيئة بيئة مجتمعية متعايشة وآمنة وخالية من مشاعر الانتقام"، موضحاً أن "القضاء العراقي أظهر مرونة وفهماً عميقاً لطبيعة تفاصيل الأزمة، وقدم حلولاً قانونية استثنائية دعمت جهود إعادة التأهيل والاندماج في النسيج الاجتماعي العراقي، بالتكامل مع المبادرات الاجتماعية الواسعة التي شكلت ضماناً لاستعادة الاستقرار وتعزيز السلم الأهلي".
وفي جانب آخر من كلمته، تناول مصلح "ملف إرهابيي تنظيم داعش الأجانب المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا"، مبيناً أنه "يمثل واحدة من أكثر القضايا الأمنية والقانونية تعقيداً وإلحاحاً على المستوى الدولي".
ولخص مصلح في حديثه خطورة الملف في ثلاثة محاور مترابطة: بالقول أن "الأول، هو الخطر الأمني، إذ "يمثل هؤلاء الإرهابيون قنبلة موقوتة في السجون، حيث إن انعدام الاستقرار في السجون التي تحتجز الآلاف من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى مخيمات عائلاتهم، يجعلها عرضة دائماً لخطر الهجمات والهروب، كما حدث في سجن غويران في الحسكة"، محذراً من أن "هذه البيئات قد تتحول إلى أكاديميات جديدة لتنظيم داعش، حيث يتم فيها إعادة تنظيم المقاتلين وتربية الأطفال والنساء على الفكر المتطرف لضمان استمرارية التنظيم عبر الأجيال".
وأشار إلى أن "تقارير متعددة، بينها شهادات من مسؤولين سابقين، تتحدث عن شبكات فساد وعمليات تهريب لبعض الإرهابيين، لا سيما القياديين منهم، مقابل مبالغ مالية كبيرة، مما يطلق سراح إرهابيين خطرين ويعزز قدرة التنظيم على إعادة النشاط".
أما المحور الثاني بحسب مصلح فهو "رفض الدول استعادة مواطنيها"، مؤكداً أن "تردد العديد من الدول الأوروبية والآسيوية في استعادة مواطنيها من عناصر داعش سببه القلق من صعوبة جمع الأدلة اللازمة لمحاكمتهم بموجب قوانينهم الوطنية، والخشية من إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، إضافة إلى المخاوف من إعادة انخراطهم في أنشطة إرهابية داخل أراضيها"، مشدداً على أن "هذا الرفض يشمل أيضاً النساء والأطفال، رغم النداءات الإنسانية المتكررة، خشية الخلايا النائمة أو الصعوبات الكبيرة في إعادة تأهيلهم ودمجهم بالمجتمع".
وبين أن "العبء الأمني والقانوني والإنساني لهذه الأزمة أُلقي عملياً على عاتق قوات قسد والإدارة الذاتية ذات الموارد المحدودة، وغير المعترف بها دولياً".
أما المحور الثالث، فهو "المأزق القانوني"، إذ أوضح أن "غياب محكمة دولية خاصة على غرار يوغسلافيا أو رواندا يجعل من الصعب تحقيق العدالة، لاسيما أن إنشاء محكمة كهذه يتطلب إجماعاً دولياً وقراراً من مجلس الأمن، وهو ما يتعثر غالباً بسبب الخلافات السياسية".
وأشار مصلح إلى أن "الحلول المقترحة تدور حول خيارين: إما إعادة المقاتلين إلى دولهم لمحاكمتهم، وهو ما يفضله العراق والولايات المتحدة والعديد من الدول، أو إنشاء آلية قضائية دولية هجينة تكون مدعومة من الأمم المتحدة وتعمل في المنطقة"، مشدداً على أن "الأزمة تمثل نتيجة لفشل دولي في التوافق على آلية للعدالة، مما يفاقم الخطر الأمني ويسمح بانتشار الفساد واستمرار تهديد داعش من قلب مناطق الاحتجاز".
وأكد رئيس محكمة استئناف نينوى أن "حل هذه الأزمة يتطلب تعاوناً دولياً فعالاً، وإنشاء آلية قانونية عادلة وشفافة لمحاكمة المقاتلين، وأن تجربة العراق في ملف مخيم الهول أثبتت أن العدالة يمكن أن تكون إنسانية وقانونية في آن واحد، وتشكّل نموذجاً يُحتذى في آليات العدالة الانتقالية التي توازن بين المساءلة وإعادة التأهيل والاندماج المجتمعي".
أمس, 21:15
العودة للخلف