صدفة باتجاهين، جمعت نجمين كرويين لمعا في مونديال المكسيك 1986، ورحلا في نفس العام 2020، ففي 21 حزيران الماضي رحل نجم الكرة العراقية والآسيوية، أحمد راضي، جراء مضاعفات فيروس كورونا، وهو في أواسط عقده السادس، بعد أن تألق وسجل هدفا ظل خالدا في سجل أسود الرافدين، ليس لانه الوحيد عراقيا حتى الآن، بل لأنه هز شباك الحارس الاسطورة، البلجيكي جان ماري بفاف، وعلى الجانب الآخر، رحل يوم أمس (25 تشرين الثاني 2020)، أسطورة الأرجنتين والعالم، دييغو أرمادنو مارادونا، وهو في نهايات عقده السادس أيضا، وهو النجم الذي قاد راقصي التانغو الى الحصول على كأس العالم للمرة الثانية في تاريخهم، مسجّلا هدفاً مخاتلا على إنكلترا في النهائي، ليشكل بذلك علامة فارقة في تاريخ الساحرة المستديرة.
قائمة الشبه بين "الساحر" و"الأسطورة" لا تنتهي عند هذا الحد، ففي حين وُلد مارادونا في العام 1960 لعائلة فقيرة تسكن في حي شعبي بمقاطعة بوينس آيرس في الجنوب الأرجنتيني، قضى "الأسطورة" العراقية، المولود في العام 1964 قسما من طفولته في منطقة "حي العامل" الشعبية ببغداد، وهو القادم من جنوب العراق الفقير.
يوم أمس، تراجعت تراتبية الأخبار في معظم دول العالم، فالأخبار وإن كانت مهمّة ومصيرية، إلا أنها فسحت المجال أمام الخبر العالمي: مارادونا تُوفي في الأرجنتين جرّاء أزمة قلبية، لتضج مواقع التواصل الاجتماعي إلى ما يشبه مجلسا كبيرا لتعزية القلوب.
الآلاف نشروا صورة "الأسطورة" ومعها ملصق القلب المكسور، وكلمة "وداعاً"، وهو ما حصل تماماً عند وفاة أحمد راضي في العراق، وبعض الدول العربية.
وجه الشبه الآخر بين دييغو مارادونا وأحمد راضي، هو أن نظرة الحب والإعجاب تجاههما لم تقتصر على الأجيال التي واكبت فترة نجوميتهما في ثمانينيات القرن الماضي، بل امتد إلى الأجيال التالية التي تعرّفت عليهما من خلال التسجيلات المصوّرة أو حكايا الأهل، أو فيديوهات الذاكرة، عالميا ومحليا.
لا تنتهي لائحة التشابه بين النجمين إلى هنا، فمارادونا الفقير كان ينحاز إلى الفقراء، سواءً في بلده أو في البلدان الأخرى ويتخذ مواقف ويطلق التصريحات في هذا الإطار، فيما كان أحمد راضي، يساعد "بعيداً عن الأضواء" عوائل فقيرة، ويتكفل ببعضها كما كشف مقربون منه بعد وفاته.
وكان للنجمين أيضاً تدخل في شؤون السياسة، كل في سياقه وزمانه. مارادونا بصفته وجهاً عالمياً بارزاً أبدى آراءً مثيرة إزاء النظام العالمي، منتقداً "الهيمنة الأميركية على العالم"، واتخذ موقفا إيجابيا تجاه القضية الفلسطينية، أما أحمد راضي فدخل البرلمان العراقي نائباً في عام 2006، ليثير الجدل داخل الاوساط السياسية والشعبية.
في مسيرته كلاعب، خاض النورس أو الفتى الذهبي أو "الساحر" كما يحلو لمحبي أحمد راضي (أفضل لاعب في آسيا عام 1988) تسميته، 121 مباراة وسجل 62 هدفاً، فيما لعبِ "الأسطورة" الاستثنائية دييغو أرمادنو مارادونا 91 مباراة دولية مع المنتخب الأرجنتيني، مسجلا 34 هدفاً، ليترك إرثا كرويا هائلا، طرزته سلسلة من الحركات التكنيكية الفريدة والمراوغات التي لم تبدعها الا ساقا الراقص الأرجنتيني.
في رسالة تعزية بعث بها إلى الاتحاد العراقي لكرة القدم، وصف رئيس الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" جياني إنفانتينو، أحمد راضي، في 21 حزيران الماضي، بـ"الاسطورة"، مضيفاً "يبدو أن الكلمات غير كافية للتعبير عن الحزن الذي نشعر به لهذه الخسارة (..)".
ويوم أمس، عزا إنفانتينو بوفاة مارادونا قائلاً "اليوم يوم حزين بشكل لا يصدق، دييغو تركنا، لقد توقفت قلوبنا، من بين كل من أحبه على طبيعته وما يمثله، عن الخفقان للحظة، صمتنا، دموعنا، ألمنا هو الشيء الوحيد الذي نشعر به في أعماقنا في هذا الوقت".
رحل الساحران والأسطورتان، لكن إرثهما الكروي الهائل سيظل مصدر إلهام لكثير من الأجيال الجديدة.