بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الرئيس،
سِيادة الأمين العام..
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي..
تحيةَ سلامٍ أُلقيها لكم مِن مَدينةِ السلامِ.. بغداد.
يُسعِدُني أَن اُحييكم باسمِ جمهورية العراق، الدَولةِ المُؤسسةِ في الأممِ المُتحدةِ، وأتمنى للجمعيةِ العُموميةِ في دَورتِها الحَاليةِ التوفيقَ والنجاحَ.
هذه هي المرةُ الأولى في تاريخِ الامم المتحدة، نلتقي خلالَها في الجمعيةِ العمومية افتراضياً.. وهو حدثٌ يختصر بعمق ما نحن فيه بمواجهة كوفيد 19، الخطرِ العابرِ للحدود والذي لا يزال يُهَدِدُ حَياتَنا وطُرُقَ عيشِنا واقتصادَنا ومُجتَمَعاتِنا بشكل عام.
هذا اللقاءُ الافتراضي تجسيدٌ حقيقي للتغييرات الجذريةِ في طَرائقِ العيش والتواصلِ ما بين البشر.
ولعل من المفارقةِ التاريخية أن نجتمعَ ونتواصلَ فيما نحن ملزمون بالتباعد.. فننعزلُ بتأثيرٍ من الوباء ونتواصل بإرادةِ العمل والحياةِ الانسانية.
إن بقاءَ تهديد الوباء في أيةِ مدينة أو قرية على كوكبنا هو تهديدٌ مستمر للعالم ككل.
وهو ما يؤكدُ ضرورةَ ترسيخ مبدأ التضامُنِ والعملِ المشترك ما بين الدول والمجتمعات، باختلاف توجهاتِها، من أجل القضاءِ على الوباء أو في الأقل الحدِّ من مضارِه.
كما يؤكد ايضاً أهميةَ تعاون الجميع في الدولِ المتقدمة لتبادلِ الخبرات والمعلومات اللازمة لمواجهةِ الوباء.
وضرورةِ مساعدةِ الدولِ المتقدمة للدولِ النامية في تحقيقِها لبيئةٍ صحية قادرة على مواجهةِ الوباء وتفادي ارتداداتِه على الحياةِ والمجتمعات.
كذلك علينا جميعاً أن نحاربَ الاخبار الزائفة في ما يخص الوباء، فالجهلُ وانتشارُ الأخبار الكاذبة يهدد أرواحَ الملايين.
ونشيرُ أيضاً إلى أهميةِ التخطيطِ المُبكر لضمانِ العدالة في توزيعِ اللقاح حين يُتاح، ومراعاةِ تخفيف الطبيعةِ التجارية في تسويقِه بما يُساعد الدول الأشدَّ فقراً على التمكنِ من الحصولِ عليه لجميعِ مواطنِيها.
نحن في العراق عَملنا بالقدُراتِ المُتاحة، وهي محدودةٌ بفعلِ الظروفِ المُحيطةُ بِنا، على مُواجهةِ الوباءِ وتقليصِ آثارِه عبر سلسلةٍ من الإجراءات والاحترازات المطلوبة، مع هذا لا يزالُ أمامَنا الكثيرُ مما يجب فعلُه برغم محدوديةِ قدراتِنا في الرعاية الصحية وبسبب ضعفِ البنية التحتية للخدمات الصحية.
سيادة الرئيس
لقد واجه العراقُ قبل وبعدَ ظهور الوباء, وباءً لا يقلُ فَتكاً وخَطَراً على العالم، ألا وهو الإرهابُ والفساد.
لقد نجحنا فعلاً في دحرِ الإرهاب عسكرياً وتحريرِ مُدننِا وذلك بقوةِ إرادة شعبِنا وبتضحياتِ قواتِنا، من الجيش والحشد الشعبي والبيشمرگة، وبدعمِ التحالف الدولي وجيراننا.
لكن الحربَ ما زالت مستمرةً مع الإرهابِ والتطرفِ المتحرك عِبر الحُدود و الكامن في خلايا نائمةٍ هنا وهناك في صَحارى بلدِنا.
لا يمكن لنا ان نستخفَّ بخطورةِ الارهاب وخطورةِ عودتِه وإعادةِ تنظيمِه لفلولِه. اذ نعتقد أن أيَّ تراخٍ أو تهاون او الانشغالَ بصراعاتٍ في المنطقة سيكون متنفساً لعودةِ تلك المجاميعِ الظلامية.
كذلك فإن التهاونَ في مكافحة الفسادِ المستشري والتدخلات التي تمسُّ السيادةَ الوطنية لبلدانِنا من شأنِه أيضا ان يعرقلَ جهودَ مكافحةِ الإرهابِ والتطرف.
و في هذا الإطار نأملُ دعماً وإسناداً من لدُنِ الأصدقاءِ في المجتمعِ الدولي للكشف عن الأموال المهربة والفاسدين الذين يقومون بتهريب هذه الأموال لتمويلِ المجاميعِ الخارجة عن القانون والمتطرفة. الفسادُ آفة تعانيها كثيرٌ من البلدان، ولقد خطف الفسادُ من العراقيين التمتعَ بنِعمِ بلادِهم بل ساهم في تدميرِها لسنواتٍ طويلة. ويشعر العراقيون ازاء اثرِها في دولتهم بالكثير من المرارةِ والغضب.
وانطلاقاً من هذا فقد وجهتُ في العام الماضي ومن خلال الجمعيةِ العمومية دعوةً لتشكيل تَحالُفٍ دولي لمحاربةِ الفساد واسترجاعِ الاموالِ المنهوبة، على غِرارِ التحالفِ الدولي ضد الإرهاب.
واليوم أيضاً أُكرر هذه الدعوةَ.. حيث لا يمكن القضاء على الارهاب الا بتجفيف منابعِ تمويلهِ وانهاء الفساد بوصفه الاقتصادَ السياسي للعُنف والارهابِ وتأثيرِه المُدمِر على اقتصاداتِ الدول وتعطيلِ إرادةِ الشعوب في التقدم والبناء.
سيدي الرئيس..
يجب أن نقفَ عند جرائمِ الإبادةِ وسلسلةِ المجازرِ التي حَصلت بحق الايزديين في بلدنا والتي كانت تهدف الى انهاءِ وجودهِم، الامرُ الذي يستدعي من المجتمع الدولي الوقوفَ ومساعدةَ العراقِ على منعِ تكرارِ هذه الجرائم.
قبل أيام كُنتُ في اجتماعٍ مع مواطنات ايزيديات وتركمان شيعة وشبك اُتيحت لهُنَّ النجاةُ من وحشيةِ الارهاب ومن فظاعةِ ما لقِينَ من جرائِمه.. واستمعتُ الى المعاناةِ المُؤلمة التي مازالت مستمرةً بالرغم من مرور اكثر من ثلاثِ سنواتٍ على تحريرِ المُدنِ بالكامل، فان هؤلاء السيدات ما زلنَّ يَعشْنَّ المعاناةَ النفسية والجسدية مِن جراء ما حدث لهُن من إبادة وتهجير وتعذيبٍ نفسي وجسدي، كما ما زلن يعشن في المخيمات.
علينا العمل من أجلِ إعادة النازحين والمهجرين لمُدنِهم وقُراهم وبكل ما يتطلب ذلك من جهود. وهذا يتطلب ايضاً من الأصدقاء والمنظمة الدولية موقفاً سانداً لإمكاناتِنا وجهودِنا.
سيادة الرئيس.
العراق مُحمّل بتركات أكثر من أربعين عاماً من الحروب والمعاناةِ والحِصار واستباحةِ الارهاب، وقد عانى هذا العام، كما هو الحال مع بقية الدول، من انهيارِ أسعارِ النفط في الأسواقِ العالمية وتبعاتِ الأزمة الاقتصادية العالمية مِن جراء محنةِ كورونا. كان لهذا الانهيار المتزامن مع الوباء أثرُه الخطير، حيث وضَعَنا فجأة أمامَ تحدياتٍ جسيمة.
ولقد مرّ قَرابةَ عامٍ مُنذ أن شَهِدَ العراق حراكاً شعبياً نابعاً من الرغبةِ بإحداثِ تغييرٍ في البلاد يُناسب طُموحات العراقيين جميعا.
هذا الحِراك يشمل نقاشاً حياً حول أُسسِ الدولة وكيفيةِ ادارتِها وحقوقِ شعبها.
لقد انطلقَ مسارُ الاصلاحِ في البلاد ولكنهُ يحتاج الى وقتٍ والى جهودٍ حَثيثة ليِجلب النتائجَ المرجوة. الخطواتُ التي اتخذناها في هذا المسار تُشير الى امكانيةِ احداثِ التغيير السلمي و الدستوري بعيداً عن العُنفِ وهذا ما يُريده العراقيون.
في غمرة هذه الظروف، تشكلت خلال هذا العام حكومةٌ جديدة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي وذلك استجابةً للحِراك الشعبي الكبير المُطالب بالإصلاح.
استطيعُ القول، وفي ضوء تجربة ما بعد الاستبداد، أن هُناك اقراراً متنامياً باستحالة استمرارِ الوضعِ القائم، العراقيون يتطلعون الى عقدٍ سياسي جديد يعالج الخللَ البنيوي الكامنَ في منظومةِ الحكم ما بعد 2003، ويضمن لهم حكماً رشيداً.
واستجابةً للإرادةِ الشعبية فإن أمام الحكومة مسؤولياتٍ كبيرةً تتمثل في جَانبِها الأساس بإجراء الإصلاحاتِ الهيكلية السياسية والاقتصادية والإدارية، وهذا ما يتطلب مكافحةَ الفسادِ والمفسدين، الذين يُشكلون الوجهَ الاخرَ للإرهاب.
ومِن المَهام الأساسية للحكومة أيضاً، العملُ على إجراء انتخاباتٍ مبكرة في العام القادم، نزيهةٍ وشفافة وفق قانونٍ جديد وبتمثيلٍ أعدل واشمل، وذلك إيفاءً للحراكِ الشعبيِ الوطني الساعي لترسيخِ الديمقراطيةِ وتحقيقِ التطلعِ المشروع للعراقيين في حياةٍ حرةٍ وكريمة، ولكي تكون لهم في بَلدِهم السُلطةُ والكلمة العليا، وتكون الحكومة مُنبثقةً منهم وترعى مصالحَهم وتسعى لتحقيقِ طموحاتِهم.
كما تجد الحكومةُ أنها مطالبة أيضاً بموجب هذا، بعملٍ آخرَ لا يقل أهميةً، وهو حصرُ السلاحِ بيد الدولة ومنعِ حيازتِه أو استخدامِه خارج إطارِ القانون ومؤسساتِ الدولة، وكذلك التحقيق في جرائم قتلِ المتظاهرين وأفرادِ القوات الأمنية.
فمواجهة الجماعاتِ الخارجة عن القانون و ضبط السلاح المنفلت، هو صراعُ الدولة مع قوى الفوضى و التطرف، ويقيناً ليس بالمهّمةِ اليسيرة، لكنه واجبُ التحقيق، اذا اردنا السلمَ المجتمعي لبلدِنا و واذا اردنا ان يكونَ العراقُ سيدَ نفسهِ.
البيانُ الأخير للمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الصادر بعد استقبال سماحتِه ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، عبّر بوضوحٍ عن هذه المهمات اللازمة لأصلاح مسارِ العمليةِ السياسية الجارية في البلد وتنظيفِها مما شابها من فسادٍ وضعف.
و في هذا السياقِ فإننا نَتطلع الى مساعدةِ الامُم المتحدة للتنسيق مع مفوضية الانتخابات وتوفيرِ الدعم الفني و الرقابي، لضمانِ نزاهةِ الانتخاباتِ و مَنعِ التلاعبِ و التزوير و الابتزازِ والتأثيرِ على حريةِ الفرد واختيارِه الانتخابي.
سيادة الرئيس.
مشروعُنا الوطني هو ترسيخُ الدولة المقتدرة والقادرة على فرضِ القانون والمتمكنة من الإيفاءِ بحقوق مواطنيها. لا نريد ان يكونَ العراقُ ساحةً للصراعات ولتصفية حسابات الاخرين على ارضِه.
يكفى العراقَ ما مرّ به من الحروبِ و الحصارِ و الارهاب و انتهاك السيادة، العراقُ المُستقل ذات السيادة سيكون نقطةَ التقاء المصالحِ المشتركة للشعوب وبلدانِ المنطقة ومنطلقاً لمنظومةٍ اقليمية قائمة على اساسِ التعاون الاقتصادي و الامنِ المشترك في مواجهةِ الارهاب والتطرف.
نتطلعُ الى دعمٍ فاعلٍ من جيرانِنا ومن المجتمعِ الدولي لهذا المشروعِ الوطني، والذي سيكونُ لهُ تَبعاتٌ كبيرة و مؤثرة على مُستقبل العراق و المنطقةِ بل والعالم.
وفي هذا الإطار يُؤكد العراق موقفَه بضرورة حلٍ للقضية الفلسطينية وتلبيةِ حقوق الشعبِ الفلسطيني في دولتِه المُستقلة، وهذا ما يساعد في استقرارِ المَنطَقةِ والعالم.
سيداتي، سادتي،
استذكر هنا شُهداءَنا الذين ضَحوا من اجلِ الحُرية و في مُواجهة الارهاب، أُحيي شَبابِنا الذين يثبتون في كل يومٍ إصرارَهم وإرادتَهم الصُلبة في تحقيقِ الحياة الحرة الكريمة. حيث نَنظرُ بتفاؤلٍ نحو المستقبل من خلال تَطلُع شَبابِنا وعَزمِهم على إكمال مَسيرةِ الحُرية وفرض القانون وسيادته وتحقيق العدالة.
درود بۆ گيانى شەهیدانی ڕیگای ئازادی، و ڕوبەڕوونەوەی تیرۆر، سلاو بۆ گەنجەکانمان کە سوورن لە سەر بەدیهێنانی ژیانی ئازاد و خۆشگوزەران، لە چاوی گەشیانەوە، ئايندەی ئازادی و سەپاندنی حوکمی یاسا و دادپەورەری بەدی دەکەین.
خِتاماً، أُكرر تقديري للأممِ المتحدة في ذكرى تأسيسها الخامسةِ والسبعين، فلا بديلَ لهذهِ المُنظمة التي تجمعنا رغم فروقاتِنا، وخاصةً نحن نواجه تحدياتٍ عابرةً للحدودِ الرسمية للدول، مثل مكافحةِ الأوبئة، التغييرِ المناخي، وضرورة ضمانِ الأمن الغذائي والتعامل مع ملفِ الهجرة واللاجئين، كلُ ذلك يُمكن معالجتُه من خلال الأمم المتحدة وميثاقها.
لا شك أن النظامَ الدولي اخفقَ مراتٍ خلال الاعوام الخمسة و السبعين الماضية، فهناك تجارب مَريرة نستذكُرها مثل مجازر راوندا وما مر على العراق من ويلات و حرب ابادة ومجازر بحق العراقيين، بالإضافة الى الازمة المستمرة في سوريا وليبيا.. علينا التعلمُ من دروس الماضي، لكن في الوقتِ نفسهِ يجب تطويرُ الاهداف الانمائية المستدامة والعمل بجدية على أجندةِ إصلاحٍ للأمم المتحدة من اجل الارتقاءِ بتَطلُعاتِ شعُوبِ العالم.
شكراً جزيلاً، سيداتي سادتي، لحُسنِ إصغائكم.
نلتقي ان شاء الله في عالمٍ نقيٍّ خالٍ من فيروس كورونا.. و من فيروسات الكراهية و الفساد و الحروب و الارهاب
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته