الحملة التي تشنها فرق من وزارة الداخلية وإدارة الأمن الاقتصادي التابعة لها ضد التجار العراقيين، عقب الارتفاع بالأسعار التي شهدتها المواد الغذائية مؤخرا، أعادت للأذهان الحملة التي شنها النظام السابق ضد عشرات التجار عام 1992 بسبب اتهامهم برفع الأسعار، وذلك عقب فرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على العراق إثر غزوه للكويت.
ويشهد العراق منذ أسابيع ارتفاعا بأسعار السلع وخاصة الغذائية الأساسية منها مثل القمح وزيت الطبخ، وذلك بعد حرب روسيا على أوكرانيا التي دخلت أسبوعها الرابع، حيث تعتبر هاتان الدولتان من أكبر مصادر الغذاء في العالم.
ويرى مواطنون أن على الحكومة اتخاذ إجراءات تدعم الطبقات الهشة في المجتمع، وزيادة الحصة التموينية للحفاظ على الأسعار بدلا من ملاحقة التجار واعتقالهم ومعاقبتهم، ومنع الاحتكار.
ويقول المواطن حيدر العلاق (41 عاما) إن ملاحقة التجار ليست حلا، لأنهم عامل مساعد في توفير المواد الغذائية في ظل الظروف العالمية الراهنة، وحين أقدم النظام السابق على إعدامهم سنوات الحصار لم يغير ذلك من واقع السوق وارتفاع الأسعار، وظل التجار يوفرون المواد الغذائية حتى جاء قرار النفط مقابل الغذاء والدواء، والحل الآن يمكن بدعم الحكومة للفئات الهشة.
وتأخذ الستينية أم بلال بطرف الحديث قائلة إن الأزمات تلاحق العراق فـ "نخرج من أزمة لندخل في أخرى، وهكذا مضت أعمارنا، نحتاج اليوم إدارة حقيقية للدولة بعيدا عن التسويف والوعود، نحن بحاجة إلى إجراءات عملية، فقد مضى على ارتفاع الأسعار نحو شهر ولا حلول حقيقية نفذت على أرض الواقع لخفضها".
هذا وقد عمقت الأزمة الأوكرانية من معاناة شريحة واسعة من العراقيين، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية –خاصة الطحين وزيت الطبخ والسكر- بشكل كبير في بلد يواجه نسبتي فقر وبطالة عاليتين.
إجراءات حكومية
الأسبوع الماضي، وجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأجهزة الأمنية بمتابعة ارتفاع الأسعار ومحاسبة المتلاعبين والمقصرين داخل الأسواق المحلية، ومراقبة أسعار السلع والبضائع المهمة والأساسية، وعدم التلاعب بالأسعار وقوت المواطنين ومحاسبة المقصرين.
كما أقرت الحكومة عددا من الإجراءات للحد من الأزمة، أبرزها:
* دعم رواتب المتقاعدين والموظفين ممن يتقاضون راتب 500 ألف دينار أو أقل شهريا (341 دولارا) بـ 100 ألف دينار (70 دولارا) لمرة واحدة.
* تصفير الرسم الجمركي على البضائع الأساسية من مواد غذائية ومواد بناء ومواد استهلاكية ضرورية لمدة شهرين، وإعادة النظر في القرار بعد معاينة الأزمة.
وتقوم قوات الأمن بتنفيذ حملات مكثفة على أسواق الجملة والأسواق العامة في بغداد ومدن مختلفة، واعتقلت عددا من التجار المتورطين بعمليات التلاعب بالأسعار، واحتكار المواد الغذائية.
وطبقا للمتحدث باسم الداخلية اللواء خالد المحنا فإن قوات الأمن تنفذ حملات داخل الأسواق، تتضمن عمليات تفتيش لضبط المحتكرين للمواد الغذائية، مؤكدا اعتقال 32 تاجرا محتكرا حتى الآن.
وأشار إلى أن الاحتكار إخلال بالقانون، وأن قوات الأمن مستمرة بملاحقة المحتكرين.
أزمة عالمية
يقول سيد حسن، تاجر جملة للمواد الغذائية في أسواق جميلة شرقي بغداد إن ارتفاع الأسعار ناتجة عن الحرب في أوكرانيا، مما تسبب بتوقف مصدر بعض المواد التي كان يتم استيرادها، مشيرا إلى أن ارتفاع الأسعار لأسباب خارجية، وليس للتجار المحليين علاقة برفع الأسعار.
وأعرب التاجر عن أمله بأن تخفف الحكومة من الضرائب للشاحنات الداخلة، وتستثنيها من الإجراءات الروتينية لمنع الاحتكار ووصولها بسهولة إلى الأسواق، معتبرا أن من شأن ذلك أن يسهل السيطرة على أسعار المواد الغذائية وقد تعود إلى مستوياتها السابقة أو قريبة منها.
قوانين منع الاحتكار
الخبير القانوني علي التميمي أكد أن قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم 14 لسنة 2010 يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على 3 سنوات، أو بغرامة لا تقل عن مليون دينار (682 دولارا) ولا تزيد على 3 ملايين دينار كل من خالف أحكام هذا القانون، بالإضافة إلى العقوبات الواردة في قانون العقوبات حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 100 دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تسبب في ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع أو الأوراق المالية المعدة للتداول.
وفي رده على سؤال ما استند إليه القانون في إعدام التجار عام 1992، أوضح التميمي أن النظام السابق أدخل (مخالفات) التجار حينها ضمن الجرائم الماسة لأمن الدولة الداخلي، وتمت إحالتهم إلى المحكمة الخاصة.
الخزين يكفي شهرا
وفي حين أكد وزير التجارة علاء الجبوري أن المخزون الإستراتيجي من القمح يكفي حتى أبريل/نيسان المقبل، وأن وزارته تعمل لتهيئة مخزون إستراتيجي باستيراد 3 ملايين طن، وتخصيص 100 مليون دولار للشراء العاجل، أوضح المتحدث باسم الوزارة محمد حنون أن العراق البلد الوحيد الذي يمتلك خطا موازيا للأسواق المحلية متمثلا بمفردات البطاقة التموينية التي تتكون من 7 بنود.
وأشار حنون إلى وضع العراق هو الأفضل على مستوى المنطقة، وأن القلق لدى المواطن ناتج عن التهويل الإعلامي الذي يدفعه للشراء من الأسواق مباشرة مما يتسبب بحدوث مثل هذه الأزمة.
آلاف المخازن
الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش يرى أن الأمن الغذائي من مسؤولية وزارات التجارة والزراعة والموارد المائية، وعلى التجارة توفير خزين غذائي إستراتيجي من خلال الاستيراد ولديها آلاف المخازن، وهي مصممة لتخزين مواد تكفي 6 أشهر إلى سنة، وإعادة افتتاح الأسواق المركزية المهملة، لتسويق بضائعها أو البضاعة التي تنتج محليا، ودعم التجار الأساسيين من خلال وجود قاعدة بيانات، بدل التعامل مع تجار مجهولين، وبدل ملاحقة التجار الأفضل توفير خزين إستراتيجي خاصة وأن العراق يعتمد السوق الحر.
حلول ومقترحات
ويرى رئيس غرفة تجار بغداد فراس الحمداني أن قرار ملاحقة التجار فيه حيف كبير، فيما لو استمر، فإن الأولى بالحكومة أن توفر دعما حقيقيا للتاجر، لا أن تكون خصمه، خاصة وأن القرارات الأخيرة التي أقرها مجلس الوزراء كانت جيدة نوعا ما، ولكن هناك بعض النقاط التي يجب إعادة النظر فيها مثل مدة الإعفاء الضريبي والجمركي، بجانب فتح الاستيراد أمام المنتجات الغذائية.
وأوضح الحمداني أن غرفة تجارة بغداد اقترحت على الحكومة أن يكون الإعفاء من 6 أشهر إلى سنة بدل الشهرين، وأن فكرة استبدال السلة الغذائية بالنقد يكون أفضل، كون هذه التجربة موجودة في بلدان العالم، وباعتبار أن السوق العراقي من الاقتصاد الحر، يجب أن تُعطى فسحة كبيرة للتنافس.
وأشار إلى أنه تمت المطالبة بفتح اعتمادات مستندية لتجار المواد الغذائية بدولار سالب "حتى نخفف العبء عن كاهل المواطن وذوي الدخل المحدود".
من جهته يرى المحلل الاقتصادي ملاذ الأمين أن الحكومة قادرة على السيطرة على الأسعار في الأسواق من خلال تنويع مفردات البطاقة التموينية وتضمينها مواد إضافية، وزيادة كمياتها.
وطالب الأمين بتشجيع الفلاحين والمزارعين على زيادة المساحات المزروعة من خلال الدعم المادي وتوفير البذور والأسمدة وتطوير الخطط الزراعية والإروائية، إضافة إلى دفع مستحقات الفلاحين المالية للسنوات السابقة.
المصدر: الجزيرة نت