لو نظرنا الى الجيش الجرار من الشباب العراقيين الخريجين ومنهم حملة الشهادات العليا الذين لم تعطهم الدولة الحق بالتعيين او أي فرصة لاخذ دورهم في خدمة البلد كلا حسب اختصاصه، والى مثلهم من الذين فضلوا ترك الوطن والهجرة الى اوطان أخرى بعد ان يأسوا من حق العيش بوطنهم، لوجدنا ان الشاب العراقي من اكثر الشباب في العالم فاقد للامل والطموح والحياة في العراق.
وهذا الامر تتحدث عنه الاحصائيات الصادمة التي نقلها تقرير برنامج الأغذية العالمي، التي أعلنت ان انتشار الفقر بين العراقيين وصل الى أكثر من 31%، والبطالة تجاوزت الـ 40%.لكن رغم هذه الآلام التي يعيشها الشاب العراقي، الا ان (لعبة الببجي) دلتهم عليها الاقدار بالصدفة، وانتشلتهم من الواقع الذي كانوا يعيشون فيه ونقلتهم الى حال اخر تماما، منحتهم من خلالها الشهرة والغنى وربما الجاه في صفوف اقرانهم من الشباب داخل وخارج العراق.ولعبة الـ(ببجي)، أسلوب لعبها هو التصويب من منظور الشخص الأول أو الثالث، ويصل عدد اللاعبين إلى 100 لاعب كلاً منهم يهدف لأن يكون الناجي الأخير.
ويمكن للاعبين الاختيار بين الخوادم التي يكون فيها اللاعب وحده وليس ضمن فريق معين، أو الخوادم التي تسمح للمشاركة بشخصين في الفريق أو أربعة. في كل الحالات، آخر شخص أو فريق باقٍ على قيد الحياة يفوز بالمباراة.في بداية كل مباراة يقفز اللاعبون من طائرة بالمظلات على جزيرة دون أن يكون بجعبتهم أية عنصر. بمجرد هبوطهم، يمكن للاعبين البحث في المباني وغيرها من المواقع للعثور على الأسلحة، المركبات، وغيرها من المعدات، والتي يتم توزيعها عشوائيا في جميع أنحاء الخريطة في بداية المباراة.في مارس 2019، تم حظر ببجي في ولاية غوجارات الهندية بعد أن قررت الحكومة المحلية أن اللعبة كانت "مدمنة وعنيفة للغاية" وهي غير ضرورية خلال موسم الامتحانات. تم القبض على عدد من الطلاب لمخالفتهم القوانين. لم يتم تجديد الحظر في بعض مدن الولاية بعد مارس حيث انتهى موسم الامتحانات.وتم فرض حظر مماثل في النيبال والعراق في أبريل 2019، مع ذكر الأسباب أن اللعبة كانت ضارة بالأطفال والمراهقين. رفعت المحكمة العليا في النيبال الحظر في نيبال قريبًا، قائلة إن الحكومة لا يمكنها فرض مثل هذا الحظر الذي يتعارض مع الحريات الشخصية دون إظهار سبب الحظر. في منتصف عام 2019، أصدرت الأردن ومقاطعة آتشيه الإندونيسية حظرا مماثلا.واصدرت السلطات الهَندية قرارًا رسميًا بالسجن لكل من يلعب لعبة ببجي داخل الأراضي الهَندية وقد اعتقلت 10 مراهقين هنود ولاقى هذا القرار سُخرية.وصادّق مجلس النواب العراقي بالإجماع على مُقترح بحظر بعض الألعاب الالكترونية الشهيرة (من ضمنها لعبة ببجي) في نيسان 2019 مشيرا إلى تأثيرها "السلبي" على الشباب، وأشار التقرير إلى أن البلد يُعاني مُنذ فترة طويلة من نزاعات دموية على أرض الواقع، كما حظر البرلمان المعاملات المالية المرتبطة بتلك الألعاب.كما أعلنت الأردن رسمياً مطلع نيسان 2019 حظر لعبة "ببجي" القتالية الشهيرة، وصرّح مصدر مسؤول في هيئة قطاع الاتصالات الأردنية أن كافة التقارير، وأبرزها تقرير منظمة الصحة العالمية، أكدت أن للعبة نتائج سلبية كبيرة، من أبرزها "الإدمان" و"العصبية والاستفزاز" و"العزلة الاجتماعية" و"تفكك الأسر"، وهذا ما استدعى الهيئة لحظر التطبيق داخل الأردن.وبعيدا عن الإدمان والاثار السلبية التي تتسبب بها هذه اللعبة عند الشباب، الا انها أصبحت مصدر رزق معتد به للشباب الباحث عن العمل، والذي لم يعطيه بلده العراق حقوق او منحه حق العيش فيه، وهناك اعداد كبيرة من الشباب العراقيين الذين تميزوا بهذه اللعبة على مستوى العالم ، وأصبحت اللعبة مصدر رزقهم الوحيد.ومن هؤلاء الشباب هو الشاب (احمد البياتي)، الذي يعد اكثر شاب عراقي نال الشهرة بهذه اللعبة، كونه ربما الأول من العراقيين الذي يحترف فيها، حيث تم الاعجاب بطريقة لعبه وتكنيكه الكثير من اقرانه في دول العالم، واصبح بمراكز متقدمة على العالم.لكن عندما ننظر في حياة البياتي قبل الـ "ببجي"، لرأينا حجم المعاناة التي يعيشها الشاب العراقي، فاحمد البياتي يسكن في الموصل، وقد دفعته ظروف الحرب ضد الإرهاب عام 2016 الى الهجرة خارج العراق وبالتحديد الى تركيا، حيث كان يعمل عملا متواضعا لـ 12 ساعة متواصلة.يقول البياتي "خرجت من الموصل وتوجهت الى تركيا، ورغم اني تركماني وافهم اللهجة التركية، الا ان اللهجة الاسطنبولية كانت صعبة فقمت بتعلمها".وأضاف "كنت اعمل لـ 12 ساعة متواصلة في تركيا، وباجر قليل جدا، فكنت اتعب تعب شديد ولكن باجر بسيط، الى ان قدحت بذهنيتي فكرة ان اطور قناة قديمة لي على تطبيق (اليوتيوب)، وكانت عبارة عن قناة انشر فيها مقاطع للمنتخب الوطني العراقي لكرة القدم وكان فيها 23 الف مشترك".وتابع، انه "اثناء ترددي على اليوتيوب، وجدت لعبة اسمها (ببجي موبايل)، فقررت ان العبها، وعندما لعبتها ووجدت اني لي تميز فيها اكثر من اقراني الاخرين ، فقمت بتنزيل اول مقطع فحاز على نسبة مشاهدة مشجعة قوامها الف مشاهد وتعليقات كثيرة".وافصح البياتي عن ان اللعبة صنعت له جمهورا، واشخاصا داعمين له باموال كثيرة.اما الشاب الاخر المعروف بـ "أبو خليل"، المحبوب جدا من قبل العراقيين وغيرهم، بسبب تلقائيته غير المتناهية واسلوبه الفكاهي باللعب، وانفعالاته الصادقة ومنها العصبية ، حيث جعلته اللعبة محط انظار الكثير من الناس حول العالم وجعلته من اشهر اللاعبين البارعين في اللعبة.لكن حياة أبو خليل كانت مليئة بالمعاناة والقهر والعوز قبل ان يلعب هذه اللعبة المشهورة، فقد كان يعمل بالملابس النسائية في منطقة بغداد الجديدة، قبل ان تنهال عليه المشكلات والتهديدات لاسباب لم يفصح عنها.يقول أبو خليل، ان "هذه المشكلات جعلتني اترك منزلي في بغداد الجديدة واتجه الى شارع فلسطين، حيث عانيت كثيرا من عوز الحالة المادية، فعملت مجموعة اعمال منها، تصليح الأجهزة الالكترونية التي لم تسد رمق حياتي وحياة زوجتي واولادي.وأضاف، انه "قررت ان اترك البلد واتجه الى تركيا، ومررت مع عائلتي بظروف اصعب، قبل ان اجد لعبة الـ "ببجي"، واحترف فيها".وتابع، ان "ببجي أصبحت رزقي الوحيد ونقلت حالتي المادية من حال الى حال، اذ اصبح لي داعمين كثر منهم الـ (خال)، الذي كان وحده يدعمني بأكثر من 60 الف دولار، وما زال يدعم".ويعد الشاب الذي يسكن مدينة الكاظمية المقدسة (اوس)، من اشهر اللاعبين في لعبة الببجي، حيث يتميز هذا الشاب بأسلوب جديد خاص به، من خلال ايجاده كاركتر محبوب وشخصية محبوبة وهي (اوسية المغرورة)، حيث بدأ اوس بنشر هذا الكركتر الفكاهي في مقاطع الببجي، ووصل عدد متابعيه الى اكثر من مليون مشترك، قبل ان يقرر عمل البث المباشر مع صديقه غزوان عبر الفيس بوك.اوس لا يختلف عن باقي اقرانه من الشباب العراقي، الا انه استطاع من خلال الببجي ان يكون شخصا مشهورا، وان تكون الببجي مصدر رزقه الوحيد.وغير هؤلاء الشباب العراقيين الكثيرين الذين تميزوا في هذه اللعبة حول العالم، وقاموا من خلالها بتحدي الحياة وتخطي حالات الفقر والعوز والانتقال الى حال اخر، وكأن في قرارة نفسهم ولسان حالهم ، يقول : شكرا يا ببجي لانك حققت لنا ما لم تستطع الحكومة تحقيقه.