رائد الديوه چي
روجت مواقع التواصل الاجتماعي في نينوى لتحالف انتخابي بين حزب تقدّم بزعامة محمد الحلبوسي وحزب رأي نينوى بقيادة الأكاديمي المعروف مزاحم الخياط. وكتبت إحدى صفحات "الفيسبوك": "مزاحم الخياط يركب الباص البرتقالي"، في إشارة إلى حزب تقدّم الذي يتوقّع له أن يحقق نتائج كبيرة في الانتخابات النيابية المبكرة التي ستجري في تشرين الأول المُقبل.
في الحقيقة، كان حزب تقدم سيدخل الانتخابات في نينوى وسيفوز بعدد مقاعد كبير على أيّة حال، فزعيمه محمد الحلبوسي، الذي يرأس مجلس النواب الآن، يحظى بسمعة جيّدة بين أهالي نينوى، واستمد هذه السمعة بسبب نبرته الهادئة في الدفاع عن أهالي المحافظات المُحررة دون أن يكون له خطاب طائفي. ليس هذا فحسب، فالحلبوسي نجح بشكل كبير في إعمار محافظة الانبار التي تدمّرت على يد "داعش" وعمليات التحرير العسكرية، واستطاع أن يحوّل الانبار إلى مضرب مثل حتّى لسكّان محافظات وسط وجنوب العراق.
ودائماً ما تساءلت وسائل إعلام ومنظمات مدنية في الموصل عن السبّب الذي أخّر الاعمار في نينوى، بينما شهد تقدماً سريعاً في الانبار. ولم تجد هذه الجهات إجابة وافية أو مقنعة على السؤال، خاصّة وأن نينوى حصلت أيضاً على أموال تمّكنّها من تدوير عجلة الاعمار.
لكن الفارق بين المحافظتين بسيط، لكنه معقّد في ذات الوقت. لننظر إلى الانبار، عندما وصلها محمد الحلبوسي محافظاً كانت أيضاً غارقة في الدمار والفساد، والشركات المُقرّبة من الأحزاب السياسية كانت تحوم حول مشاريع الاعمار لنهب أموالها. لكن الحلبوسي تصرّف بحنكة كبيرة، إذ سارع إلى وضع حسابات بالسياسيين الذين يريدون إنجاز الاعمار وأولئك الذين (كما فعلوا دائماً) يريدون نهب الأموال دون تقديم أي خدمات أو مشاريع تُذكر.
أبعد الحلبوسي فئة النهب، وقرّب الساعين إلى الاعمار. واعتمد على الشركات التي يديرها مهندسون شباب.
ولهذا، ربما، حصل الحلبوسي على عداوات لم يحصل عليها أي سياسي في الأوساط السنيّة قبله. وصفه خصومه بـ"الديكتاتور" والساعي إلى زعامة المكون، وحتّى أن بعضهم اتهمه باستخدام القضاء ضدّهم. وليس مستغرباً أن يكون على رأس هؤلاء الخصوم الزعامات السنيّة القديمة التي فشلت على مدار أكثر من عقد ونصف في توفير الخدمات والكرامة لأهلها، والمتوّرطة بعشرات الملفات في هيئة النزاهة والقضاء، بل الأسوأ أنها -أي الزعامات- ورّطت سكّان المحافظات السنيّة في تظاهرات أدّت إلى فقدانهم لمنازلهم وأدت أخيراً إلى دخول "داعش".
لكن الحلبوسي خرج من هذه المعمعة قويّاً، وأسس كياناً سياسياً عماده الشباب وسياسيين مخلصين، وصار حزب تقدم خلال مدّة قصيرة أهّم حزب على الإطلاق في المناطق المحررة، وصار تقدم مؤسسة، وكوّن بالإضافة إلى ذلك شبكة علاقات سياسية، داخليّة وإقليمية ودوليّة، تعرف الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها.
ما أُريد قوله من هذا أن الحلبوسي استطاع تكوين خبرة سياسية تُمكّنه من خوض أكثر الملاكمات السياسية شراسة، دون أن يخسر أي جولة منها.
لكن لننظر، من جانب آخر، إلى مزاحم الخيّاط الذي يقود حزب رأي نينوى.
الخياط سيفوز أيضاً بالانتخابات لا مُحالة، فالرجل معروف بين أهالي الموصل بتواضعه وببياض يده وإخلاصه للمحافظة. نجح في اعمار وإدارة جامعة نينوى، وكان مرشحاً مرحباً به لوزارة التعليم العالي، ولم يُسجل عليه طيلة إدارته لخليّة ملف فساد أو تقاعس.
لكن نينوى سياسياً معقّدة، واعمارها لا يتوقّف على الفوز بمقاعد نيابية، فهي بحاجة إلى قوّة ساندة، تتحرّك بلا خوف، ولا تخشى من خسارة حلفاء في طريقها لتحقيق أهدافها. والخياط لا يمتلك هذه الخبرة. لكن من يمتلك هذه القوة، بمقابل ذلك، محمد الحلبوسي.
وحسن فعل الخياط حين جمع في حزب رأي نينوى عدد من من الأكاديميين المعروفة، وحسن فعل بتحالفه مع حزب تقدم، فهذه الخطوة تؤكد أن الخياط يبحث عن سند سياسي قوي وفكر سياسي جديد، يعرف كيف يسير بالاعمار والسياسة على طريق واحد. وحسن فعل حزب بالتحالف مع رأي نينوى، فهو بحاجة إلى يد بيضاء في نينوى (الملوّثة سياسياً) وبإمكانها الإشراف على مشاريع الاعمار.
وخلاصة كل هذا، فإن تحالف تقدم ورأي نينوى السياسي يمكنه تحقيق الكثير لمحافظة نينوى، فهو خلطة جيّدة من شباب شقّوا طريقهم في عباب السياسية وسرعة التخطيط والمُثابرة وأكاديميون يمتلكون بياض اليد ويسعون فقط لإنقاذ مدينتهم من براثن الخراب.