وقال الكاتب سايمون واتكينز في تقرير نشره موقع "أويل برايس" الأميركي، إن "تحديد المواقف بدأ بشكل جدي الأسبوع الماضي من خلال تأكيد رئيس المصرف العراقي للتجارة فيصل الهيمص أن البنك سوف يتوقف عن معالجة المدفوعات إذا لم تجدد الولايات المتحدة الإعفاء في نهاية هذا الشهر".
وأضاف واتكينز، أن "هذا الأمر سيؤثر على دفعات الكهرباء البالغة 1400 ميغاواط وعلى 28 مليون متر مكعب من الغاز المتأتي من إيران الذي يحتاجه العراق للحفاظ على عمل بنيته التحتية الرئيسية".
وفي هذا السياق، يتجاوز الطلب على الطاقة في العراق خلال فصل الصيف قدرات التوليد المحلية، والأسوأ من ذلك أن هذا الأمر قادر على التسبب في اضطرابات شعبية كبرى بالبلاد، ويبدو أن انقطاع الكهرباء المتواصل كان أحد دوافع الاحتجاجات واسعة النطاق التي اندلعت مؤخراً في جميع أنحاء العراق.
ووفقا للوكالة الدولية للطاقة، فإن الأوضاع ستسوء أكثر بسبب نمو عدد سكان العراق بمعدل يزيد على مليون شخص سنوياً، حيث من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء بحلول عام 2030.
وتابع الكاتب أن "العراق كان يتلاعب بكل من الولايات المتحدة وإيران كجزء من العملية المحفوفة بالمخاطر التي انخرط فيها منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003".
من ناحية أخرى، أفاد مصدر مقرب من وزارة النفط الإيرانية، لموقع "ويل برايس" الأسبوع الماضي أن العراق أكد مرارا وتكرارا للولايات المتحدة أنه لا يمكن أن يحافظ على فعاليته دون إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية حتى يجد بديلاً واقعياً.
وأكد المصدر ذاته، أن "هذا يهدف إلى ربح المزيد من الاستثمارات من الولايات المتحدة بشكل مباشر وغير مباشر، بما في ذلك تسريع الصفقات التي اتفق عليها مبدئيا مع الولايات المتحدة قبل وقوع الهجمات على القواعد الأميركية في العراق".
ولا تزال الصفقة الرئيسية جزءا لا يتجزأ من خطاب العراق بشأن تقليل التبذير لموارده الطبيعية الهائلة من الغاز من خلال الاحتراق، ومن شأن هذه الصفقة أن تقلل المستوى الحالي لحرق الغاز في العراق بنحو 20%.
وأشار الكاتب إلى أن "شركة هانيويل -وبالشراكة مع شركة بكتل وشركة غاز الجنوب المملوكة للدولة العراقية- ستبني محطة أرطاوي للغاز التي ستعالج في مرحلة أولى ما يصل إلى 300 مليون قدم مكعب قياسي يومياً من الغاز المصاحب في خمسة حقول نفطية جنوب العراق".
واتخذ العراق إجراءات احتياطية إزاء عدم تمديد الولايات المتحدة الإعفاء المقبل وتركه دون الكهرباء والغاز الإيراني على المدى القصير، قبل أن تتمكن الاستثمارات والصفقات الأميركية من فرض السلطة في هذا البلد، ومن أبرز تلك الاحتياطات الاحتفاظ بالمال الذي يدين به لإيران مقابل الإمدادات السابقة.
ونقل الكاتب عن المتحدث باسم جمعية مصدري النفط والغاز والمنتجات البتروكيميائية الإيرانية حميد حسيني أن "الحكومة العراقية أودعت حوالي خمسة مليارات دولار في حساب الضمان المجمد في البنك المركزي العراقي مقابل إمدادات الغاز والكهرباء، لكن إيران لا تستطيع الاستفادة منها بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليها".
وبيّن مصدر إيراني لموقع "أويل برايس"، أن "المبلغ يبلغ 6.1 مليارات دولار، وفي حال عدم تجديد الولايات المتحدة إعفاء العراق في وقت لاحق من هذا الشهر ستظل هذه المبالغ المتراكمة في الحسابات المصرفية في البلاد".
وأشار إلى أن "الخطوة التالية التي سيتخذها العراق هي الاستمرار في عملية الاستيراد على أي حال، ولاسيما أن حدوده الممتدة مع إيران يسهل اختراقها، ناهيك عن تاريخ طويل مشترك بين البلدين يجعلهما قادرين على التحايل على العقوبات المفروضة على صادرات النفط والغاز، وليس هناك ما يشير إلى إمكانية توقف ذلك بشكل مفاجئ".
وبطبيعة الحال، يبقى السؤال المطروح هنا: لماذا توافق إيران على الاستمرار في تزويد العراق بالغاز والسلع الأخرى إذا لم تتمكن من سحب الأموال المتراكمة من حساب الضمان المجمد في المصارف العراقية؟ الإجابة عن هذا السؤال تحمل بعدين: أولا، تعمل إيران في عدد من المجالات باستخدام منهجية تجارية قائمة على نظام المقايضة بشكل أساسي.
وحيال هذا الشأن، قال المصدر الإيراني إن "إيران تزود الصين وروسيا وغيرها من البلدان بموارد النفط والغاز، في المقابل، تقدم هذه البلدان لإيران المواد التي تحتاجها، مثل المواد التكنولوجية والكيميائية والسلع المخصصة للقطاع الزراعي ومرافق التمويل، وبالتالي توجد طرق عدة يمكن أن يستخدمها العراق لدفع مستحقاته لإيران".
أما بالنسبة للخيار الثاني، فيخصص العراق عقود إيجار وملكية لإيران من خلال مجموعة واسعة من الهيئات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وذلك لاستخدامها في العقارات التجارية والشركات في المناطق وسط وجنوب العراق، وقد جرى نقل الملكية على نطاق محدود طوال سنوات بصفة غير منتظمة، ولا سيما في كربلاء والنجف والناصرية، وذلك وفقا للمصدر ذاته.
وبشأن هذا الموضوع، قال المصدر ذاته إن طريقة التعامل هذه تناسب إيران، لأنها تساهم في تعزيز هيمنتها، كما أنها تناسب العراق أيضا، حيث إنه ليس من الضروري أن يتنازل عن الأموال التي تمثل ضغطا متواصلا على الميزانية المنهكة بالفعل.
وخلص الكاتب إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تكون خاسرة في كلتا الحالتين، وفي حال تجدد هذا الإعفاء سيبقى المجال مفتوحا أمام إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، في حين تحافظ على ولاء العراق فيما يتعلق بمشاريع الطاقة الأميركية المستقبلية، وبذلك تبعد العراق عن مدار التأثير الإيراني والروسي والصيني.
وفي حال لم يتم تجديد الإعفاء سيبقى جانباً كبيراً من المناطق غير الشيعية ينظر إلى الحكومة في حالة من الشك وعدم اليقين التي تعيشها البلاد منذ عام 2003، وهو ما سيكون في صالح الولايات المتحدة أيضاً